شهدت الملائكة وأولوا العلم الذين ملأ قلوبهم نور الإيمان به ، وبيّن ثانيا قيامه بالعدل ، ثم بيّن ثالثا الدستور في حياة الإنسان ، وأنه الإسلام الذي هو دين الحقّ والحقيقة ، وأمر نبيّه صلىاللهعليهوآله أن يدعو الذين أوتوا الكتاب جميعا إلى هذا الدين الواحد ، ويترك الجدل معهم بعد إقامة الحجج القويمة والبراهين الساطعة على الإسلام ، وأنذرهم على المخالفة وأوعدهم الحساب والعذاب.
فكانت الآيات المباركة ذا نسق واحد مشتملة على ما تقدّم من البراهين والشهادة والبيّنة عليها ، لتكون ثابتة وقويمة لا يقدر على إنكارها منكر ، وإلا استحق العذاب بعد إقامة الحجّة والبرهان.
التفسير
قوله تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ).
مادة (شهد) : تدلّ على الحضور والمشاهدة بالبصر والبصيرة ، ولا حضور أقوى من حضور ما سواه تعالى لديه عزوجل ، فهو حاضر بذاته لذاته ، وما هو عين ذاته من صفاته ، التي منها وحدانيّته ومعبوديّته المطلقة.
ومن أسمائه تعالى (الشهيد) ، أي هو الذي لا يغيب عنه شيء ، قال تعالى : (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [سورة الحج ، الآية : ١٧].
وشهادة الحقّ جلّ جلاله ، هو ظهور ذاته بذاته لذاته ، وجميع أسماء الجمال والجلال تنطوي في تلك المرتبة ، وهي محيطة بها فوق ما يدرك من معنى الإحاطة ، فالهوية المطلقة والمعبوديّة الحقّة منحصرة به جلّت عظمته ، وهذا معنى ما في جملة من الدعوات المعتبرة : «يا من هو ، يا من ليس هو إلا هو» ، وقوله عليهالسلام : «يا من دلّ على ذاته بذاته». وهذا معنى ما أثبتوه في الفلسفة من أن الممكن من ذاته ليس ، ومن حيث الإضافة إلى علّته أيس (أي موجود).
وهذا المعنى ـ أي الجامعيّة لجميع صفات الجلال والجمال ، المسلوب عنه