وشهوده لها كذلك ، فيرجع الكلّ إلى علمه الذاتي.
نعم ، الشهادة القوليّة فيه تعالى لها خصوصية خاصّة ، لا توجد تلك في مطلق العلم والخبرويّة.
وأما في الممكنات ، فيمكن أن ترجع الشهادة إلى القوى الجسمانيّة ، أي إلى البصر والسمع والعلم والخبرة ، وإلى بعض القوى النفسانيّة.
قوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ).
أي : أن الملائكة وأولي العلم يشهدون بأن لا إله إلّا هو. ويصحّ أن تكون شهادة الملائكة من الشهادة الذاتيّة ، لأن ذواتهم كاشفة عن الوحدانيّة المطلقة ، فإنهم (عِبادٌ مُكْرَمُونَ* لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) [سورة الأنبياء ، الآية : ٢٦ ، ٢٧] ، وإنهم يسبّحون ربّهم ويهلّلونه.
والمراد بأولي العلم الأنبياء والرسل ومن يتبعهم في العلم والعمل بالمعارف الإلهيّة والأحكام الشرعيّة ، والعرفاء الشامخون ، والفلاسفة المتألّهون ، الذين أخبروا بوحدانيّته ، وهم يشاهدونها من آياته وشهدوا بها شهادة علميّة وعمليّة.
وإنما خصّ سبحانه وتعالى الملائكة وأولي العلم بالذكر ، لقصور أنظار جملة من الأنام عن درك ما وراء ذلك ، فألقى الخطاب بحسب دركهم وفهمهم.
قوله تعالى : (قائِماً بِالْقِسْطِ).
القسط هو النصيب والعدل ، ومن أسمائه تعالى : «المقسط» ، وفي الحديث : «إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض بالقسط ويرفعه» ، وهو بمعنى الميزان سمّي به لأنه من العدل أيضا ، ومعنى الحديث أن الله يخفض ويرفع ميزان أعمال العباد المرتفعة إليه وأرزاقهم النازلة إليهم ، وهو تمثيل لما يقدره الله تعالى وينزله ، ويطلق على غيره بالقرينة.
والقيام بمعنى المحافظة على الشيء والملازمة له ، وفي حديث الدعاء : «لك الحمد أنت قيام السموات والأرض» ، أي القائم بأمور الخلق ومدبّر العالم وحافظه في جميع أحواله.