إلى الضروريات ، التي هي مبدأ كلّ النظريات ، وهي ستة : الأوّليّات ، والمشاهدات ـ سواء كانت حسيّات أم وجدانيّات ـ والفطريات والتجربيات ، والمتواترات ، والحدسيات ، وقال بعض الأكابر :
ان ضرورياتنا ست وذي |
|
مرجع كلّ النظريات خذي |
ومع عدم تحقّق تلك تكون من المغالطة المذمومة ، التي لا يكون للعقل إليها سبيل ، ومحاجّة أهل الكتاب مع الرسول ، بل محاجّة الأمم مع أنبيائهم تكون من هذا القبيل ، فهي تنبئ عن الانحراف وعدم الاستقامة ، وفي مثل ذلك لا بد لأنبياء الله يستقيم البرهان ولا الواجدان مع اعترافهم بالواقع ، بل يكون من اللجاجة التي هي مذمومة ، وفي الحديث : «اللجاجة تمل الرأي» ، أي تذهب به وتزيله.
وتدلّ الآية الشريفة على أدب المحاجّة ، حيث لم يقل سبحانه وتعالى : «فان حاجوك فأعرض عنهم» ، لأن الدعوة عظيمة ولا يليق بها الإعراض أصلا ، فلا بد من التثبّت حتى تحصل النتيجة ، وهي إعلان التوحيد الذي هو أساس التربية الإنسانيّة الكاملة ، فهي محور نظام الدنيا والآخرة.
كما أنها تدلّ على أن التوحيد والتسليم لله تعالى لا يمكن إبطاله ، ولا يمكن نقضه بالمجادلة والمحاجّة ، ولذا أمر سبحانه وتعالى نبيّه والمؤمنين بالتسليم ، فإن الحافظ هو الله تعالى القدير القهّار.
ومن ذلك يظهر وجه الارتباط مع الآية السابقة ، فإنه بعد أن بيّن سبحانه أن الدين واحد ، وهو التسليم لله عزوجل الذي لا اختلاف فيه بوجه من الوجوه ، وأن جميع الكتب الإلهيّة ترشد إليه ، فلا وجه للمحاجّة فيه ولا حجّة في ما وراء ذلك.
وإنما خصّ سبحانه وتعالى الوجه من بين سائر الأعضاء بالذكر ، لأنّ التسليم بالوجه يقتضي الإقبال على الله تعالى والخضوع لديه والإخلاص له ، وأن إسلام الوجه يستلزم إسلام سائر الأعضاء. ويمكن أن يراد بالوجه الذات والحقيقة من حيث صدور الأفعال الاختياريّة ، فيشمل القلب وجميع الجوارح.
كما أنه تعالى شرك من اتبعه بالإيمان تشريفا للنبيّ صلىاللهعليهوآله وإعظاما لإيمانهم