قوله تعالى : (وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ).
مادة (نقم) تدلّ على إراءة الكراهة ، سواء كانت باللسان أم بالعقوبة ، وهي كثيرة الاستعمال في القرآن الكريم ، ولا تدلّ المادة بشيء من الدلالات على أن يكون الانتقام للتشفّي ، كما هو الدائر في انتقام الإنسان ، فإن الله تعالى أعزّ جانبا وأبعد ساحة من أن ينتفع أو يتضرّر بشيء من أعمال عباده. ولكن منشأ الانتقام يكون فيهم (أي المنتقم منهم) ، ويقوم بهم قيام الصورة بالمادة ، وبينهما تلازم ، ولا يعقل انفكاكهما إلا في فرض الوهم.
والمعنى : أن الله قوي شديد نافذ في إرادته ، منيع الجانب لا يرضى بأن تهتك محارمه ، ينتقم ممّن خالفها وأعرض عنها.
وما ورد في هذه الآية الشريفة معلول آخر للحياة الحقيقيّة ـ من كلّ جهة ـ والقيومية المطلقة ، ولا معنى لهما إلا إيصال كلّ ممكن إلى ما يليق به ، بعد بسط العدل والإحسان والرحمة والعفو والغفران.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ).
معلول آخر للحياة الحقيقيّة والقيوميّة المطلقة ، فإن وحدة الحيّ القيوم تستلزم الإحاطة المطلقة ، وأن لا يخفى عليه شيء ممّا سواه ، وإلا كان خلفا ولا يعقل غفلة العلّة ـ العليم الحكيم ـ عن معلوله.
ويصحّ أن يكون ما ورد في هذه الآية الشريفة كالعلّة ، أي : لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، فهو الحي القيوم.
وإنما قدّم تعالى الأرض على السماء لقربها إلى أذهان المخاطبين وانسهم بها ، وإرشادهم إلى أن أرضهم ـ التي يفعلون فيها ما يفعلون ـ تحت إحاطته الفعلية.
ويستفاد من هذه الآية الكريمة أن معنى العلم فيه تبارك وتعالى يرجع إلى أمر سلبي ، أي : لا يخفى عليه شيء لقصور العقول عن درك علمه بالمعنى الاثباتي ، لقصورها عن درك ذاته ، ويدلّ على ذلك أخبار كثيرة.