بحث علمي :
من صفات الله تعالى القائم بالقسط ، وهي عين ذاته المقدّسة التي لا حدّ لجلالها وكمالها ، وأنها تدلّ على كماله تعالى في أفعاله ، وتستلزم كثيرا من الصفات العليا ، كالرأفة والرحمة والعدل. والقسط ـ كما مر ـ : هو العدل مع زيادة فيه ، وهي أن القسط يستعمل في موارد العدل الظاهر والحقّ المعروف ، فهو أبلغ من العدل ، كما أن الجور أبلغ في العدوان من الظلم ، فيكون للقسط خصوصية لم تكن في العدل ـ كما تقدّم ـ وإن كانا يتقاربان في المعنى ، كما فسّروه به في كثير من الموارد ، ولكن القسط يستعمل في مورد لا يستعمل العدل فيه ، كما أن الأوّل يعدّى ب «إلى» ولا يعدّى العدل به ، قال تعالى : (أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) [سورة الممتحنة ، الآية : ٨] ، وممّا يدلّ على ما ذكرناه قوله تعالى : (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا) [سورة الحجرات ، الآية : ٩] ، ولا يصحّ أن يكون أحدهما عين الآخر ، إذ التأسيس خير من التأكيد. وفي حديث المهدي عليهالسلام المروي من الفريقين : «يملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما ملئت ظلما وجورا». فيكون القسط أنسب بالشهادة في المقام من العدل. والقائم بالشيء هو المتصدّر والمراعي له ومحقّقه ومجريه. أي المجري ، وأقومها وأنفعها للنظام التكويني والتشريعي والجزائي ، وبها يتحقّق الترابط بين الربّ وعبيده ، وبين أفراد العباد بعضهم مع بعض ، وبه يقع التآلف ، والتحابب بينهم ، كما أن به يضمن المظلوم حقّه ويجازى الظالم لظلمه ، وبه ينتظم النظام ، ولأجل ذلك كان النبيّ صلىاللهعليهوآله يكرّر هذه الآية في أفضل الأوقات وفي أفضل الأماكن ، فقد ورد أن نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله كان يردّدها في عشية عرفة كما مرّ.