كما تدلّ الآية المباركة أيضا على العلم التفصيلي الفعلي الإحاطي لله تعالى ، وتدلّ عليه آيات اخرى ، منها قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) [سورة الحجر ، الآية : ٢١] ، وقال تعالى : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [سورة الأنعام ، الآية : ٥٩].
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ).
الصورة تطلق ... تارة على الهيئة الخاصة ، وبهذا المعنى يصحّ أن تكون من الأعراض ، كالصور المتصوّرة في الأذهان ، أو ما ينتقش على الجدران أو ما ترتسم في المرآة أو في كلّ جسم شفاف له قابلية المحاكاة. وفي العصر الحديث اتسعت دائرتها ، وهي بهذا المعنى تعمّ ما يكون له ظل كالتمثال أو ما لا ظل له.
وتطلق اخرى في مقابل المادة ، فتكون جوهرا من مقوّمات الجواهر المركبة من المادة والصورة ، ويعبّر في الفلسفة عن المادة بالجنس باعتبار الوجود الذهني ، وعن الصورة بالفصل كذلك أيضا ، وإلا فالحقيقة واحدة والتصوير إلقاء الصورة.
والرحم في الحيوان هو العضو الذي يتكوّن فيه الجنين إلى حين الولادة ومحل تربية الطفل. واستعير للقرابة باعتبار انتهاء أفرادها إلى رحم واحد. ويتضمّن معنى الرأفة والإحسان أيضا ، وبهذا المعنى يطلق على الله تعالى ، فهو الرحمن الرحيم. وفي الحديث عن نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : «لما خلق الله الرحم قال تعالى : أنا الرحمن وأنت الرحم ، شققت اسمك من اسمي ، فمن وصلك وصلته ، ومن قطعك قطعته» ، ومنه يظهر معنى الحديث الآخر : «الرحم معلقة بالعرش تقول : اللهم صل من وصلني ، واقطع من قطعني» ، ومخاطبة الرحم لله تعالى ليست ببعيدة ، فإن الأشياء كلّها ـ بحقائقها الواقعيّة ـ مرتبطة مع الله عزوجل ، يخاطبها الله تعالى وتخاطبه ، ولكنها مستورة إلا على أهل البصيرة والبصائر.