والفاء في قوله عزوجل : (فَبَشِّرْهُمْ) للجواب ، لتضمّن الجملة معنى الجزاء المتفرّع على الجملة السابقة المتضمّنة لمعنى الشرط ، وهو الكفر وقتل النبيّين.
والعذاب : كلّ ما شقّ على الإنسان ومنعه عن مراده ، وكلّ عذاب في القرآن فهو التعذيب ، أي الايجاع ، سواء كان دنيويّا أم اخرويّا ، روحيّا أم جسميّا.
والعذاب في الآية المباركة مطلق ، يشمل الدنيوي منه والاخروي ، وفيه من الدلالة على شمول الغضب لهم واحتوائهم السخط والعذاب ، وهذا قرينة على ما ذكرناه آنفا من تهييج الفطرة عليهم ، وقد أخزاهم الله تعالى في الدنيا فكتب عليهم القتل والجلاء والتفريق وعداء النفوس لهم ، ولهم في الآخرة أشدّ العذاب وأليمه ، كما نطقت به الآيات الكريمة في مواضع متعدّدة.
قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ).
الحبط : بطلان العمل وعدم الأجر له ، أي : الّذين كفروا بآيات الله وقتلوا الأنبياء ودعاة الحقّ والعدل ، بطلت أعمالهم في الدنيا والآخرة ، أما بطلان عملهم في الدنيا فلأنهم فعلوا ذلك لإزالة الحقّ وإثبات الباطل ، والله تعالى فعل بهم خلاف ما أرادوه ، فأثبت الحقّ وأزال الباطل وأذاقهم العذاب الأليم ، وأما في الآخرة فلأنهم لا يؤجرون على أعمالهم بشيء ، بل يعذّبون عليها وهم وقود النار.
والآية المباركة تدلّ على أن قتل الأنبياء والأولياء والأوصياء ودعاة الحقّ ممّا يحبط الأعمال.
قوله تعالى : (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ).
أي : من شافعين ، وهذا يدلّ على عدم شمول الشفاعة لهم ، كما تقدّم في بحث الشفاعة في سورة البقرة ، فراجع.