الله فهو نصب ، وفي الحديث عن نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : «فاطمة بضعة مني ، ينصبني ما أنصبها» ، أي يتعبني ما أتعبها.
ويمكن إرجاع الجميع إلى شيء واحد ، وهو الوضع ، لكنه يختلف باختلاف الخصوصيات. وقد استعملت هذه الكلمة في موارد من القرآن الكريم ، وغالب استعمالها فيه إنما هو في الذم.
والنصيب من المفاهيم القابلة للشدّة والضعف والقلّة والكثرة ، فهو من المفاهيم التشكيكيّة جدا ، فإن من فهم آية من آيات القرآن الكريم بحسب اعتقاده ، يكون له نصيب منه ، وفهم حقيقة نفس الآية بحسب الواقع نصيب منه أيضا ، وفهم أسرارها ودقائقها نصيب منه ، وهكذا في جملة من الآيات الشريفة. وإطلاق النصيب على بعض هذه الأنصباء ، من باب مجرّد الإطلاق اللفظي فقط إذا لو حظ بملاحظة بعض مراتبها الأخرى.
والمراد من الكتاب جنسه الذي يشمل التوراة والإنجيل ، وإيتاء النصيب من الكتاب عبارة عن تطبيق الكتاب حسب آرائهم ومعتقداتهم ، أي : أخذوا من كتاب الله خصوص ما ينفعهم ، وتركوا ما سواه ، وهذا هو عادة أهل الدنيا الّذين لا همّ لهم إلّا قضاء الحاجة الفعلية وهذا هو حظهم ممّا أوتوه من الكتاب ، وليس من حظهم في الواقع ، لأنه لا بد من أن يؤخذ بكلّ جزء منه مع مراعاة جميع ما فيه ، لأن الإيمان بالبعض لا ينفك عن الإيمان بالكلّ وبالعكس.
ويستفاد من الآية الشريفة وقوع التحريف في الكتاب ، وأن الذي بين أيديهم ليس إلّا نصيبا منه ، فإن التحريف الذي أوقعوه فيه وتغييرهم له ما أوجب إذهاب كثير منه ، وإنما بقي جزء منه ، كما يدلّ على أنهم لا يحسنون فهمه ولا يلتزمون العمل به ، فهم فقدوا الأهلية لتحمّله بسبب تحريفهم له.
والآية الشريفة تدلّ على العجب من حالهم وأفعالهم ، والاستفهام تقريري ، أي : انظر إلى أحوالهم تراهم كذلك ، فيتطابق المخبر به مع المحسوس. وهذا أحسن وجه لبيان فساد طريقتهم وسوء عقيدتهم ونفاق سريرتهم.