وهذه الآية الشريفة ونظائرها تبيّن فساد عادة من عادات الناس التي جرت على أن من اطلع على شيء من كتاب ما ، يدّعي الاطلاع على جميع ما ورد فيه والإحاطة به ، مع أنه ربما لم يصل إلّا إلى جزء منه ، ولم يدرك مفاهيمه العرفيّة فضلا عن دقائقه العلميّة ، هذا في الكتب المؤلّفة فضلا عن الكتب الإلهيّة النازلة من السماء على الرسل والأنبياء ، التي قال فيها : (ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) ، وقد وعد الله تعالى أن يعلمها المتّقين من عباده ، قال تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) [سورة البقرة ، الآية : ٢٨٢].
قوله تعالى : (يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ).
مادة (دعو) تأتي بمعنى استدعاء الشيء سواء كان بالخير أم الأمر أم بنحو آخر وهو كالنداء ، وقد يستعمل كلّ منهما في موضع الآخر ، وهي من المواد التي كثر استعمالها في القرآن الكريم ، ولعلّ من ألطفها قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) [سورة الأنفال ، الآية : ٢٤] ، ومن أشدّها هيبة وتسخيرا قوله تعالى : (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ* مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ) [سورة القمر ، الآية : ٧ ، ٨] ، وفي الحديث عن نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : «يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الاكلة على قصعتها» ، وعنه صلىاللهعليهوآله : «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم ، مثل الجسد إن اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
والكلمة مستعملة في جميع العوالم الإمكانيّة والنشآت الربوبيّة ، فالله تعالى هو مبدأ الدعوة إلى الحقّ في تمام النشآت ، وإليه ختمها في جميعها ، فهو الحقّ المحض ومظهره ومظهره.
وكتاب الله هو القرآن العظيم المشتمل على حقائق واقعيّة وتشريعيّة ، التي جعلها عزوجل لتنظيم النظام الأحسن في الدنيا والآخرة ، وقد قامت الحجج الكثيرة على أنه منزل من الله تعالى.