قوله تعالى : (وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ).
مادة (غ ر ر) تدلّ على الأثر الحاصل للإنسان ، سواء كان سببه الغفلة أم شيء آخر ، وفي الحديث : «غر محجلون من آثار الوضوء».
والافتراء هو الكذب على الغير ، وفي حديث بيعة النساء : «ولا يأتين ببهتان يفترينه» ، والافتراء على الله تعالى هو نسبة ما ليس بمأذون منه تعالى إليه ، وبهذا المعنى يستعمل في غيره تعالى أيضا ، كالافتراء على الأنبياء وسائر الناس ، كما مرّ في الحديث ، وهو قبيح عقلا وشرعا ، لأنه ظلم ، كما أنه من المعاصي الكبيرة. وهو أخصّ من الكذب ، لأنه إخبار غير مطابق للواقع مطلقا ، فيصدق في ما إذا كذب لنفسه أو على نفسه ، بخلاف الافتراء فإنه الكذب على الغير فقط.
والافتراء على الله تعالى من أقبح القبائح وأعظم الكبائر ، تدلّ على ذلك آيات كثيرة ، منها قوله تعالى : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ* لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ* فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) [سورة الحاقة ، الآية : ٤٤ ـ ٤٧].
ويمكن أن يقام الدليل الاعتباري على حرمته أيضا ، وهو أن القوانين مطلقا ـ سواء كانت سماويّة أم وضعيّة ـ لا بد أن تكون محدودة وتحت سلطة المقنّن ، ولا تتغيّر ولا تتبدّل إلّا بالسير التكاملي ، وما هو الأصلح للإنسان ، وحيث إنه لا يعقل التكامل بعد قوانين القرآن ، فلا وجه لجعل شيء فيه ابدا إلّا بالوحي المبين ، وكلّما يكون من غيره ، فإن كان بعنوان التعبّد والدين فهو بدعة وضلال ، بلا فرق بين الأصول والفروع بجميع أنواعهما ، والسنّة المقدّسة بحكم القرآن ، لأنها شارحة ومبيّنة له.
والمعنى : كان سبب غرورهم وبغيهم في دينهم الذي كان يأمرهم باطاعة الحقّ ونبذ المعصية والكبر والبغي ، إنما هو افتراؤهم في دينهم بأنهم شعب الله المختار ، وأن عذابهم محدود بسبب اتصال نسبهم إلى أنبياء الله تعالى ، فكان ذلك