بحوث المقام
بحث أدبي :
التولّي عن الشيء يفيد معنى الإعراض عنه ـ ويصحّ العكس أيضا ـ بالقرائن ، وإنما جمع سبحانه وتعالى بينهما في قوله تعالى : (ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ) [سورة آل عمران ، الآية : ٢٣] ، لبيان كثرة جحودهم للحقّ وجمودهم على الباطل بأبدانهم وقلوبهم ، أو لأجل بيان أن ذلك صار ملكة في أنفسهم لكثرة المداومة عليه ، فبناء على الأوّل يكون قوله تعالى : (وَهُمْ مُعْرِضُونَ) جملة حالية للضمير في «منهم» ، أو من «فريق» المنعوت ، فهي إما مؤكّدة أو مبيّنة لاختلاف متعلّق التولّي والإعراض ، والواو حالية ، وعلى الثاني تكون الجملة في موضع النعت ل «فريق» ، والواو للعطف ، فيكون إخبارا عن حالهم وسجيتهم.
ومدخول كيف في قوله تعالى : (فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ) مقدّر يدلّ عليه الكلام ، أي فكيف حالهم أو كيف يصنعون ونحو ذلك.
بحث دلالي :
يستفاد من الآيات الشريفة امور :
الأول : يستفاد من قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) أن ما عندهم ليس من الله تعالى ، بل هو من أهوائهم الفاسدة.
كما أنه يستفاد أن المعتبر في نسبة أهل الكتاب إليه إنما هي النسبة العمليّة مضافا إلى النسبة الاعتقاديّة ، فلا تكفي النسبة القوليّة ، ولعلّ التعبير ب (أوتوا الكتاب) إشارة إلى هذه الجهة ، حيث إنهم فقدوا النسبة العمليّة والاعتقاديّة لوقوع التحريف عنهم في الكتاب ، فعبّر عنهم ب (أوتوا) دون أهل الكتاب.