وإنما خصّ سبحانه وتعالى تقدير الإنسان وتصويره بالذكر مع انه له التقدير العام في جميع المخلوقات ، لكمال العناية بالإنسان ، الذي هو أعزّ خلقه وأشرفه ، فقد ذكر تعالى تصوير الإنسان في آيات اخرى ، قال تعالى : (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) [سورة التغابن ، الآية : ٣] ، وقال تعالى : (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) [سورة الانفطار ، الآية : ٨] ، ولبيان كيفية خلق عيسى عليهالسلام الوارد في هذه السورة والتعريض بالنصارى في ما يقولونه فيه عليهالسلام.
وقد أبدع سبحانه وتعالى في تصوير الإنسان ، ممّا يدلّ على بديع صنعه وحكمته البالغة وعلمه الأتم ، واعتنى بجميع تفاصيله اعتناء بليغا ، وأودع فيه من الحكم والأسرار وفق قوانين منظمة تعجز عقول البشر عن الوصول إلى كنهها ومعرفة دقائقها مهما بلغوا في العلم والمعرفة ، فقد كشف العلم الحديث عن بعض جوانب تلك الأسرار والحكم ممّا يبهر العقول ويجلّ عن الوصف ، فحقيق لله تعالى أن يقول في خلق الإنسان : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [سورة المؤمنون ، الآية : ١٤] ، ويكفي جانب من تلك الجوانب وجهة من جهاته أن تكون حجّة على العباد ، وعن علي عليهالسلام : «الصورة الإنسانية أكبر حجّة لله على خلقه ، وهي الجسر الممدود بين الجنّة والنّار».
وأما ما ورد في الحديث عن نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : «ان الله خلق آدم على صورته» ،
فإن المراد صورة مخلوقة اختارها الله تعالى لنفسه ، وجعلها حجّة على عباده وسخّر لها ما في السماوات والأرض ، وليس المراد صورة الله تعالى ، لأنه يستحيل أن تكون لله صورة كما ثبت ذلك في الفلسفة العلمية ، ويدلّ على ما ذكرناه ما ورد في الحديث يشرح هذه الرواية ، وهو أنه : «سب رجل شخصا بحضور النبي صلىاللهعليهوآله فقال : قبحك الله وقبح من على صورتك ، فقال له النبي صلىاللهعليهوآله : لا تقل هكذا ، فإن الله خلق آدم على صورته» ، أي على صورة الرجل المسبوب ، فيكون سبّه سبّا لآدم عليهالسلام وسائر الأنبياء أيضا.