واخرى : تكون بوضع واعتبار من العقلاء كما ذكرنا ، وأما بالنسبة إلى ملكيّة المولى للعبد ، فإنه لا ريب في كونها من الملك (بالكسر) الاعتباري ، لصحّة هذا الاعتبار عند الجميع ، وأما كونها من الملك (بالضم) ففيه منع ، إذ لا يعتبر العقلاء بين المولى والعبد الملوكيّة والرعيّة.
والملك (بالضم) اسم لما يملك ويتصرّف ، وإنه على قسمين أيضا ، ملك حقيقي وهو التصرّف في شؤون الرعية تصرفّا حقيقيّا بكلّ ما يريد من غير مزاحمة ولا معارضة ، وهو مختصّ بالله تعالى أو ما يمنحه الله عزوجل لبعض أنبيائه وأوليائه ، فهو جلّت عظمته خالق كلّ شيء ومالكه ، وله الربوبيّة العظمى العامّة والقيوميّة المطلقة ، قال تعالى : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) [سورة فاطر ، الآية : ١٣] ، فيرجع إلى الملك (بالكسر) الحقيقي وملازم له ، ويصحّ أن يعبّر عنه بأنه ملك في ملك.
واخرى : ملك (بالضم) اعتباري اعتبره الاجتماع ، مثل ملوك أهل الأرض الّذين يتسلّطون على جماعة من الناس ويتصرّفون فيهم تصرّفا يصلح بها شؤونهم. وبعد فرض أنه تعالى خالق لجميع الممكنات وموجدها من العدم ومبقيها ومفنيها ، وبيده تدبيرها وتربيتها ، وهو الربّ على الإطلاق والقيوم كذلك ، فهو مالك وملك ومليك ، وجميع هذه الإطلاقات من لوازم الفرض الذي فرضناه. وقد ورد جميع ذلك في القرآن الكريم أيضا قال تعالى : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) [سورة البقرة ، الآية : ٢٥٥] ، فقد أثبت الملكية لنفسه ، وقال تعالى : (مَلِكِ النَّاسِ) [سورة الناس ، الآية : ٢] ، الذي أثبت الملوكية لنفسه ، وقال تعالى : (عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) [سورة القمر ، الآية : ٥٥] ، حيث أثبت المالكيّة والملوكيّة لنفسه الأقدس ، فثبت قول جمع من الفلاسفة المتألّهين من أن بسيط الحقيقة من كلّ جهة يتّصف بكلّ شيء لا يستلزم النقص فيه ، وتقدّم بعض الكلام في سورة الحمد [سورة الحمد ، الآية : ٤] ، فراجع.
ومن ذلك يظهر أن الملك في الآية الشريفة هو الأعم من الحقيقي