والاعتباري في الملك (بالكسر) والملك (بالضم) ، ويبيّن ذلك بقية الآية الشريفة ، أي قوله تعالى : (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ) ، لأنّ مالكيّته تعالى للملك تستلزم مالكيّته لما يتسلّط عليه كلّ مالك وملك.
كما أنه يمكن أن يكون المراد بالملك طبيعته وذاته ، أي ما يصحّ أن يقع تحت الاستيلاء ، فيشمل جميع ما سواه عزوجل وجودا أو عدما ، فإن قسما من الأعدام أيضا داخلة تحت ملكه وسلطنته ، فهو مسلّط على إيجاد المعدوم وإعدام الموجود ، ويبيّنه ما بعده أيضا ، فتكون هذه الآية الشريفة شارحة لقوله تعالى : (لَهُ الْمُلْكُ) [سورة التغابن ، الآية : ١] ، وقوله تعالى : (بِيَدِهِ الْمُلْكُ) [سورة الملك ، الآية : ١] ، ونحو ذلك.
وإنما عبّر سبحانه وتعالى بلفظ الملك دون غيره لإظهار معنى التسخير ، فكما أن المملوك مسخّر تحت إرادة المولى ، كذلك تكون جميع الممكنات بالنسبة إليه عزوجل ، وهذا المعنى ظاهر من سائر الآيات الشريفة.
قوله تعالى : (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ).
مادة (نزع) تأتي بمعنى إخراج الشيء وقلعه عن محلّه ومقره ، كنزع الثوب عن البدن ، قال تعالى : (يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما) [سورة الأعراف ، الآية : ٢٧] ، وقال تعالى : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) [سورة الحجر ، الآية : ٤٧] ، وقال تعالى : (وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ) [سورة الأعراف ، الآية : ١٠٨] ، وقال تعالى : (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً) [سورة النازعات ، الآية : ١] ، والملك في المقام هو مطلق السلطنة والاستيلاء ، وقد ذكرنا أن المراد به طبيعته وذاته ، وهو ما يصحّ أن يقع تحت الاستيلاء والسلطنة ، ليشمل جميع الممكنات القابلة للوجود والإيجاد ، فيشمل الملك (بالضم) والملك (بالكسر) ، والنبوّة ، إذ هي ملك ايضا ، قال تعالى : (وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) [سورة النساء ، الآية : ٥٤] ، فإن جميع ذلك واقع تحت سلطان الله تعالى وإرادته المقدّسة ، وهي من مواهبه وعطاياه التي يمّن بها على من يشاء من