خلقه ويمنعها عمّن يشاء منهم ، وقد بنى الله تعالى النظام التكويني والتشريعي والاجتماعي على الملك ، وهو محبوب لدى المجتمع الإنساني تستقيم به حياتهم في النشأتين.
وأما ما يترتب عليه من الآثار السيئة ، فهي ترجع إلى كيفية إعماله والاستفادة منه ، دون أصله الذي هو محبوب كما ذكرنا ، وبه يقع الامتحان والابتلاء ، قال تعالى حكاية عن سليمان : (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) [سورة النمل ، الآية : ٤٠].
وإنما علّق سبحانه وتعالى الإيتاء والنزع على المشيئة ، لبيان أن العباد غير مجبورين على ذلك على نحو الحتم والقضاء المبرم ، بل لإرادة العباد وأعمالهم المدخلية فيهما ، فجميع أعمال العباد الصادرة منهم منسوبة إليهم ، كما أنها منسوبة إلى الله تعالى ، كلّ منهما على نحو الاقتضاء لا العلّيّة التامّة.
نعم ، له عزوجل ألطاف وتوفيقات خاصة بالنسبة إلى المستفيض إن كان من أهل الصلاح والتقوى وإقامة العدل ، فيعطيه الله الملك لإقامة العدل والإصلاح بين العباد ، قال تعالى : (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) [سورة الحج ، الآية : ٤١] ، وليس لغير أهل التقوى هذا التوفيق واللطف الخاص ، ولكنّه تعالى يقدّر الملك لمثل هؤلاء تنظيما للنظام والامتحان والاختبار وإتماما للحجّة ، قال تعالى : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) [سورة الأنعام ، الآية : ٦] ، وقال تعالى : (وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ* قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)