والسلطنة ، وهي إن كانت عزّة ظاهرا ولكنّها ذلّة في الحقيقة والواقع ، قال تعالى : (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) [سورة النساء ، الآية : ١٣٩].
ويستفاد من الآية المباركة تلازم العزّة والذلّة خارجا ، لأن عزّة كلّ فرد تلازم ذلّة آخر ، كالعكس أيضا كما نراه بالعيان.
ثم إن العزّة والذلّة لا تختصّان بمورد واحد ، فقد تكون العزّة في أشياء كثيرة والذلّة كذلك ، فربّ عزيز من جهة ذليل من جهة اخرى ، وربّ ذليل من ناحية هو عزيز من ناحية اخرى ، وإعطاء العزّة والذلّة لعباده من شؤون ربوبيّته العظمى ، وكذا بالنسبة إلى جهاتها غير المحدودة بحدّ.
ويصحّ أن يقال : إنّ الممكن في حدّ ذاته الإمكانية ذليل ، أي ليس فيه أي حظ من الخير إلّا ما يمنحه الله تعالى. والكلام في تعليق العزّة والذلّة على المشيئة ما تقدّم في صدر الآية.
قوله تعالى : (بِيَدِكَ الْخَيْرُ).
اليد تأتي بمعنى الاستيلاء. والمراد بها في المقام القدرة الكاملة والتدبير الكامل الموافق للحكمة البالغة المتعالية ، وبها تقوم جميع الممكنات في النظام الأحسن وينتظم شؤونها ، وهي القوّة القاهرة التي لا بد من انبعاث جميع قوى الموجودات عنها.
والخير ضد الشرّ ، ومعناه كلفظه مرغوب ومطلوب ، والمراد به في المقام حقائق الممكنات بجميع شؤونها وأطوارها ، حدوثا وبقاء ، وهو من الحقائق الواقعيّة التي لها مراتب كثيرة ، متفاوتة جوهرا وعرضا ، اشتدادا وتضعّفا ، هذا بالنسبة إليه تعالى.
وأما بالنسبة إلى الإنسان ، فهو خير اعتقادي بحسب ما يختاره ويقيسه بالنسبة إلى شيء آخر ، أو ما يتحقّق فيه رغبته ومطلوبه ، فقد يكون مطابقا للواقع ، كما في الحديث : «رأيت الجنّة والنار فلم أر مثل الخير والشرّ» ، أي لم أر مثلهما لا يميّز بينهما ، فيبالغ في طلب الجنّة (الخير) والهرب من الشرّ (النار) ، وقد يكون مخالفا