وأما الشرّ ، سواء كان تكوينيّا ، كنزع الملك والذلّة ، أم تشريعيّا وهو أقسام المعاصي والذنوب ، فإن رجع إلى عدم الخير وعدم التوفيق ، فيمكن انتسابه إلى الله تعالى ، وإن رجع إلى فعل المعاصي والذنوب والقبائح وأمثال ذلك فلا يمكن انتسابه إلّا إلى اختيار الإنسان ، وأما نسبته إلى الله تعالى المنزّه عن النواقص والقبائح فلا تصحّ.
قوله تعالى : (إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
الجملة في مقام التعليل لجميع ما تقدّم ، أي : أن جميع ما سواه تحت قدرته وإرادته ، فكلّ ما يطلق عليه الشيئيّة جوهرا أو عرضا خارجا أو ذهنا أو في أي عالم من العوالم ، يكون تحت قدرته.
أي : أن الله تعالى قادر على إيتاء الملك ونزعه وإيتاء العزّة والذلّة ، بل كلّ ما هو خير مفروض يكون تحت إرادته وسلطانه ، وقدرة العبد على شيء من ذلك إنما هي مستندة إلى إيجاد القدرة فيه ومستندة إلى قدرته عزوجل ، قال تعالى : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) [سورة النساء ، الآية : ٧٨].
قوله تعالى : (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ).
الولوج هو دخول شيء في شيء بحيث يستره ، وسمّي السباع والحيات الوالجة لأنها تلج في كهف أو شعب أو حجر أو غيرها ، وفي المأثور : «إياك والمناخ على ظهر الطريق ، فإنه منزل للولجة» ، يعني السباع والحيات ، وسمّيت بالولجة لاستتارها في النهار بالاولاج.
وإيلاج الليل في النهار وبالعكس معلوم لكلّ من يقع في طي الزمان وتوارد الحدثان ، وهو المشاهد من اختلاف الليل والنهار في طول السنة ودخول أحدهما في الآخر ، بحيث يطول طرف ويقصر الطرف الآخر حسب سير دقيق ومنظم ، وهذا يختلف باختلاف الفصول والبعد عن خط الاستواء ، فيتساوى الليل والنهار