بحث دلالي :
تدلّ الآيات الشريفة على امور :
الأول : يصحّ أن يكون المخاطب في قوله تعالى : (قُلِ اللهُمَ) ، هو سيد الأنبياء ، لأنه واسطة الفيض وغاية الإفاضة وأكمل الممكنات من الاستفاضة ، كما يصحّ أن يكون الخطاب الأعمّ من التشريع والتكوين ، نظير قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) [سورة فصلت ، الآية : ١١].
وعظمة مضمون الخطاب في المقام تشمل كلا منهما ، لشهادة جميع الموجودات بلسان الحال بمضمون المقال.
وربما يقال : إنّ الآية الثانية قول الله تعالى مباشرة ، وفي المقام أمر بالقول ، فلا وجه لتعليقه بالتكوينيّات.
يقال : إنه إذا كان الأمر من الله عزوجل ، فلا فرق بين أن يتعلّق بالقول أو بشيء آخر ، أن المناط كلّه إرادة المنشئ (بالكسر) ، إلّا أن في التشريعيات يصدر الفعل عن اختيار العبد تصحيحا للثواب والعقاب ، وفي التكوينيّات لا اختيار في البين بحسب إدراكاتنا القاصرة.
الثاني : تقديم اسم الجلالة في الآية الشريفة لبيان السبب ، أي : أن مالكيته تعالى للملك وكون العزّة والخير والقدرة والرزق بيده ، لأنه الله المستجمع لجميع صفات الجمال والكمال.
الثالث : في الآية الشريفة من أسرار البلاغة ولطائفها ما تبهر العقول منها ، فإنه تعالى جمع بين أنحاء من أفعاله المتقابلة ، فجمع بين إيتاء الملك ونزعه ، وهما ممّا يقوم به نظام الاجتماع ، كما جمع بين النهار والليل وإيلاج أحدهما في الآخر ، وهما من أتم ما يقوّم نظام العالم ، والمناسبة بين هذين الأمرين ، فإن إيتاء الملك نحو كمال وحياة وتسليط لبعض الأفراد على بعض ، فيكون من قبيل إيلاج النهار في الليل ،