فالآية الشريفة كما تشتمل على الحكم وهو النهي عن تولّي الكافرين ، تبيّن سببه أيضا ، وذلك من أعلى درجات البلاغة والفصاحة.
قوله تعالى : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ).
أي : ومن يتّخذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين فليس من ولاية الله في شيء ، ولا نسبة له مع الله تعالى لزوال تلك النسبة والمحبّة بينه وبين الله تعالى بالموالاة مع الكافرين ، وقد قال سبحانه وتعالى : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ) [سورة البقرة ، الآية : ٢٥٧].
وقوله تعالى : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ) يفيد العموم ، أي ليس عمله مرضيّا لله تعالى ، ولا يكون جزاؤه جزاء من أحسن عملا ، ولا تشمله العنايات الخاصة والتوفيقات الإلهيّة ، ولا يدخل تحت قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) [سورة المائدة ، الآية : ٥٦] ، بل يكون حينئذ مصداقا لقوله تعالى : (نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ) [سورة الحشر ، الآية : ١٩].
وإنما أتى عزوجل بلفظ عام ـ أي (من) ـ ولم يشخّص ، وذكر لفظ (يفعل) ولم يذكر المؤمنين ، للإشارة إلى أنه أمر قبيح لا بد للمؤمن الإعراض عنه وأن يستنكره ويتنزّه عنه ، كما يتنزّه عن القبائح الظاهريّة ، ولذا كنّى عنها في الخطاب كما يكنّى عن القبائح ، وتنزيها للمؤمنين من أن ينسب إليهم هذا الأمر القبيح والفعل الشنيع.
قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً).
استثناء عن الولاية الحقيقيّة واستدراك عمّا يتوهّم أن النهي إنما يكون عن الولاية الصورية ، أو النهي انما يكون في جميع الأحوال حتّى لو استلزم الضرر على المؤمن ، أو كان في الموالاة المصلحة.
وتتقوا : والتقاة من الوقاية ، وهي المنع عمّا يوجب الأذية والحفظ عنها ، وهذه المادة كثيرة الاستعمال في القرآن بهيئات مختلفة ، قال تعالى : (قُوا أَنْفُسَكُمْ