وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) [سورة التحريم ، الآية : ٦]. وقال عزّ شأنه : (ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ) [سورة رعد ، الآية : ٣٧] ، وقال تعالى : (وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) [سورة الطور ، الآية : ١٨] ، وعن علي عليهالسلام : «كنا إذا أحمرّ البأس اتقينا برسول الله صلىاللهعليهوآله» ، أي جعلناه وقاية لنا من العدو وقمنا خلفه واستقبلنا العدو به ، وفي الحديث : «من عصى الله لم تقه من الله واقية».
ومن هذه المادة التقوى التي هي أساس دعوة القرآن وأصل المدارج المعنويّة للإنسان ، لأنها تحفظه عن الوقوع في المحارم ، وتوقفه على الحدود الإلهيّة حتّى يصل إلى أعلى المقامات المعنويّة.
كما أن منها التقية ، التي هي من الأصول النظاميّة التي شرعها الإسلام حفظا للنظام وتأليفا بين الأنام. وسيأتي أنها ترجع إلى القاعدة العقليّة التي قرّرتها الشرائع السماويّة ، وهي : «تقديم الأهمّ على المهمّ» ، فتكون التقية من القواعد العقليّة الشرعيّة.
ولا ريب في جواز التقية ، بل أنها من القواعد المسلّمة لدى الجميع ، والمرتكزة في الأذهان ولا تحتاج إلى إقامة البرهان ، لأنها كما عرفت من صغريات قاعدة : «تقديم الأهمّ على المهمّ» ، التي هي من القواعد الفطريّة ، وقد قرّرتها السنّة بأساليب مختلفة ، ويكفي في مشروعيتها بل أهميتها ، ما ورد عن أهل البيت عليهمالسلام من أنها من الدين والتحريض على العمل بها وأن تاركها مخالف لأوامر الله سبحانه وتعالى ، ففي الحديث : «التقية تسعة أعشار الدين» ، وقد ورد في تفسير قوله تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) [سورة الحجرات ، الآية : ١٣] ، أي أعملكم بالتقية. وغير ذلك ولعلّ الجميع مأخوذ من عموم قوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [سورة البقرة ، الآية : ١٩٥].
ومعنى التقية هو إتيان الشيء على غير الوجه المأمور به الأولي ، لغرض مهم شرعي يترتب عليه ، وهذا المعنى يرجع إلى القاعدة العقليّة الفطريّة كما ذكرنا ، فلا