مع أن العلم بالكلّي يستلزم العلم بالفرد والجزئي ، خصوصا في العلم الواقعي الإحاطي الحقيقي الفعلي ، فلو كانت الشمس ذات قوة درّاكة فعليّة ، لكانت مدركة لجميع أشعتها الجزئية المنبسطة على ذرات الأشياء ، فمن ذهب من الفلاسفة إلى نفي العلم بالجزئيّات عنه تبارك وتعالى ، لأنها لا تدرك إلّا بالمدارك الجزئيّة ، وهو تعالى منزّه عنها. فهو وإن أراد التنزيه ، لكنه وقع في التعطيل ، ولعلّ هذا من أحد معاني قول علي عليهالسلام : «من أراد ما ثم هلك» ، وفي سياقه أحاديث كثيرة ، والأدلّة العقليّة شاهدة على أن المحدود لا يعقل أن يحيط بغير المحدود.
وهذه الآية الكريمة مكرّرة بأساليب مختلفة في القرآن الكريم ، قال تعالى : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) [سورة البقرة ، الآية : ٢٨٤] ، والاختلاف في تقديم المخفي والبادي في الآيتين باعتبار مناسبة الحساب للبادي ، ومناسبة العلم بالمخفي ، فقدّم سبحانه المخفي في المقام ، بخلاف الآية الواردة في سورة البقرة. أو الحمل على مراتب الإخفاء والإبداء ، فبعض مراتبهما تستحق المحاسبة ، والبعض الآخر يعفى عنه ، وإن تعلّق العلم بالجميع. ونظير المقام قوله تعالى : (وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ) [سورة النمل ، الآية : ٢٥].
وربما يكون الوجه في التكرار هو الاعلام بأن علمه تعالى ليس حصوليّا مستلهما من ظواهر الممكنات وصور الموجودات ، كما هو المعلوم في علم الإنسان ، ولذا قيل : «من فقد حسّا قد فقد علما» ، بل علمه عزوجل حضوري إحاطي فوق ما نتعقّله من معنى الحضور والإحاطة ، وفقر الممكن إلى الله عزوجل ـ حدوثا وبقاء ـ يستلزم هذا النحو من الحضور ، وكيف يخفى عليه ما هو أوجده؟!! أم كيف يغيب عنه ما هو يدبّره؟!! وفي جملة من الدعوات المأثورة : «سبحانك تعلم خطرات القلوب ولمحات العيون وضجيج الوحوش في الفلوات وأنين الحيتان في البحار الغامرات» ، ولا عجب في ذلك بالنسبة إلى القيوميّة المطلقة ، ومن يكون ما سواه كذرة ملقاة بين يديه.
كما أنه يمكن أن يكون الوجه في التكرار هو استحضار الإنسان جلال ربّ