تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً) [سورة الجن ، الآية : ٢٥] ، وقال تعالى : (أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً) [سورة الكهف ، الآية : ١٢].
والمراد منه في المقام البعد ، والفرق بينه وبين الأبد بعد تقاربهما ، أن الأبد ليس له حدّ محدود ولا يمكن تقييده ، بخلاف الثاني ، فإنه يمكن تقييده ، فيقال : أمد كذا ، أو يقال : للإنسان أمدان ، مولده وموته ، كما أن الفرق بينه وبين الزمان أن الثاني عام يستعمل في المبدأ والغاية ، بخلاف الأمد ، فإنه باعتبار الغاية ، كما عرفت.
والآية المباركة تخبر عن حال كلّ نفس مع عملها ، وتدلّ على تجسّم الأعمال ، وأنها تحضر بالحال التي تسرّ النفس بها إن كانت خيرا ، وتسوؤها إن كانت سيئة ، بحيث تودّ البعد بينه وبينها من شدّة الهول والمكاره.
وإنما تمنّى النفس البعد عنها دون أن تتمنّى عدمها ، لما كانت تعلم أنها محفوظة بحفظ الله تعالى وباقية بمشيئته عزوجل ، فلم يكن بوسعها إلّا عدم حضورها في أشدّ الأحوال وأشقّ الأهوال ، كما تتمنّى في القرين السوء في قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ* وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ* حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ) [سورة الزخرف ، الآية : ٣٦ ـ ٣٨] ، ويستفاد من الآية المباركة الأخيرة أن تمنّي النفس بعدها عن المكاره إنما يكون في الدارين.
وإنما أكّد الأمد بكونه بعيدا لشدّة الهول والموقف المروع ، وهيهات ذلك مع حصول اليقين وشهود الحقائق.
قوله تعالى : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ).
تأكيد جديد لأهمية الموضوع ، وبيان نهاية التحذير ، ومن لطيف الأسلوب أنه جميع بين الإنذار والتبشير ، ويمكن أن يكون تكرار التحذير من رأفته أيضا ، فإنه من إحدى سبل النجاة والهداية ، ومن سياق العبارة يستفاد أنه تعالى في مقام الترأف بعباده ، لا يريد لهم إلّا الخير والصلاح مع إعلامهم بعدم التعرّض لسخطه ، فلا ينافي التحذّر عن نفسه تعالى مع سبق رحمته غضبه ، فإن من رحمته إنزال