ومنها : أنه يوجب التحلّي ببعض مكارم الأخلاق ، كالرضا به تعالى لانحصار الأسباب فيه عزوجل ، والتوكّل عليه ، فإن القدرة إذا انحصرت في واحد انقطع الرجاء عن غيره.
ومنها : أنه يوجب التخلّي عن جملة من الأخلاق الذميمة ، كالحرص في طلب الدنيا ـ بل يطلبها من حيث ما أمره الله تعالى ـ والحسد على الأمثال والأقران ، لفرض استناد الكلّ إلى المدبّر الحكيم ، وغير ذلك من محاسن الأخلاق ، ولعلّ ذلك من أحد أسباب تكرار هذه الجملة المباركة.
قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي).
الآية الشريفة من روائع الآيات التي تخاطب الضمير الإنساني بأسلوب لطيف ، فقد بدأت بالخطاب مع أشرف خلقه ، واسطة الفيض ومظهر الحبّ الإلهي ومن تجلّت فيه المعارف الربوبيّة ، ومن هو قطب رحى الوجود ومكارم الأخلاق ، تستمد منه الأرواح.
ثم في تقديم حبّ الله تعالى والوعد بالغفران وإثبات الرحمة والمبالغة في المغفرة والوعد بأكمل الكمالات الإنسانيّة ، وهو محبّته تعالى التي بلغت في الجمال والجلال ما لا يمكن دركها بأي مشعر من المشاعر ، بل لا يدانيها من الجذبة الأحدية للذات المحمّديّة حتّى يظهر الحال.
فالآية الشريفة جذبة روحانيّة تدفع الغفلة عن الإنسان ، وترفع عنه الضلالة والخسران ، ومن عجيب الأمر دعوة الحنّان القدير القهّار المقتدر الفعّال لعبده الضعيف إلى محبّته ، وإخراجه من الظلمات إلى النور ، وهو مع ذلك يمتنع عنه ، فسبحان من كان خيره إلينا نازلا ، وشرّنا إليه صاعدا ، وهو مالك قادر على يشاء ، فعال لما يريد.
وتقدّم معنى الحبّ في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) [سورة البقرة ، الآية : ١٦٥] ، وذكرنا أنّه لا يختصّ بالإنسان ، بل يتحقّق في جميع الموجودات ، الواجب منها والممكن ، وهو من المعاني الوجدانيّة التي يدركها كلّ