قوله تعالى : (يُحْبِبْكُمُ اللهُ).
أي : أن اتباع الله سبحانه وتعالى والدخول في ولايته عزوجل باتباع الرسول الكريم الذي هو الكتاب الناطق ، فإنه : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) [سورة النجم ، الآية : ٣ ـ ٤] ، يستدعي محبّة الله تعالى له ، وكفى بذلك فخرا وسعادة. وهو المقام السامي الذي يقصده كلّ مخلوق.
ويستفاد من الآية الشريفة أن محبّة الله تعالى للعبد تترتب على محبّة العبد لله تعالى ، وعند التخلّف لا يكون إلا ادعاء ، بل هي محبّة الهوى لا محبّة الله تعالى ، ولكن لكلّ منهما مراتب متفاوتة.
وعلامة محبّة الله تعالى للعبد هي التوفيق للطاعة والهداية والبعد عن المعصية ، والانقلاع عن دار الغرور ، والانقطاع إلى دار الخلود ، وهذا هو الفوز المبين.
وإنما ذكر سبحانه محبّته للعبد دون ولايته ، فإن الحبّ هو الأصل الذي تبتنى عليه الولاية ، وبه يصل العبد إلى مقام الولاية.
قوله تعالى : (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ).
عطف اللازم على الملزوم ، أي : إذا تحقّقت محبّة الله تعالى لعبده ، يتحقّق غفرانه لا محالة. والذنوب هي التي تمنع من أن يحظى العبد مقام القرب من الله تعالى ، كما أنها هي التي توجب ستر الحقائق عنه وحجبه عن ربّه ، قال تعالى : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ* كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) [سورة المطففين ، الآية : ١٤ ، ١٥].
والمحبّة هي الجذبة الروحانيّة بين الحبيب والمحبوب ، وهي لا تتحقّق مع الذنوب ، فكما أن محبّة العبد لله تعالى توجب الإخلاص له ، كذلك محبّة الله العبد تستدعي قربه تعالى له وإزالة الحجب التي حصلت من الذنوب عنه ، فالحبّ يقتضي غفران الذنوب وما يتبعه من الإفاضات المعنويّة والظاهريّة والمقامات التي تقصر العقول عن دركها ، فإن إفاضاته غير محدودة إلا ما كان من جهة المستفيض ، قال تعالى : (وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) [سورة الإسراء ، الآية : ٢٠].