بحث عرفاني :
يستفاد من الآيات المباركة المتقدّمة مباحث عرفانيّة مهمّة :
الأوّل : أنه يدعو الله تعالى في الآيات المتقدّمة إلى العقل السليم والفطرة المستقيمة ، وهما محجوبان بحجب كثيرة ، ومن أغلظها الحجب الشهوانيّة التي تكفي في استفزازها النفس الأمّارة بعد ما يدعو إليها الشيطان ويهيء لها جميع السبل التي تثيرها ، لا سيما بعد قوله : (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [سورة ص ، الآية : ٨٢ ـ ٨٣] ، فاجتمع على إثارة الشهوات داعيان ، هما النفس الأمّارة والشيطان ، ولذا كان داعي الشيطان أكثر إجابة من داعي الرحمن.
وإنما يأمن الإنسان من كيد الشيطان وقهر النفس الأمّارة بالإيمان بالله عزوجل ومتابعته وطاعته في جميع ما أنزله الله تعالى ، ويرتقي إلى درجة الخلّة والحجب ، وبذلك تنجلي تلك الحجب وتنخرق على قدر مراتب الإيمان.
وممّا لا يمكن اجتماعهما في قلب الحبيب هو تولّي الله تعالى وتولّي أعدائه ، فإنهما أمران متنافيان في أي مرتبة كانا ، ومن المعلوم أنه بتولّي الكفّار لا تزال الحجب تغلظ حتّى تستولي على إيمانه فيزول رأسا ، ولأجل ذلك ورد النهي عن تولّي الكافرين والمنافقين والجائرين الظالمين في القرآن الكريم والسنّة المقدّسة ، وقالوا : «لا عدو أعدى من قرين السوء» ، والشواهد العقليّة تدلّ على ذلك ، لأن سرّ العبوديّة بين المعبود الحقيقي والعابد من أفضل الموجودات في عالم الممكنات ، وبهذه الإضافة يصل العبد إلى أقصى درجات القرب وأعلى المقامات ، وهذه الرابطة فعّالة لكلّ ما تشاء ، وخلّاقة لما تريد ، ولا يجوّز العقل أن تدنس هذه الإضافة المباركة بتولّي الكفّار والايتلاف مع الفجّار الأشرار ، وليس ذلك إلا كمن أغفل عن الجوهرة الكريمة التي لا تقدر بثمن وأوقعها في الكنيف.
الثاني : يمكن أن يكون المراد من قوله تعالى : (إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ