والآيات الشريفة لا تخلو عن الارتباط بما قبلها من الآيات الدالّة على وحدة الدين والآمرة بحبّ الله واتباعه ، فإن بهما يستعدّ المرء أن يكون من أصفيائه وأحبّائه.
التفسير
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً).
الاصطفاء ، والاختيار ، والاجتباء نظائر ، وأصل الكلمة من الصفاء ، وهو النقاوة من الدنس والفساد ، والطاء في اصطفى بدل من تاء الافتعال ، مثل الاختيار ، فيكون الاصطفاء هو أخذ الشيء صافيا من كلّ ما يكدّره ويختلط معه. ويختلف باختلاف الجهات التي تكون سببا للصفاء ، فقد يكون الاصطفاء من حيث الاختلاف مع الغير والاندماج معه ، فيكون بمعنى الاختيار للرسالة ، كما في قوله تعالى في شأن موسى عليهالسلام : (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي) [سورة الأعراف ، الآية : ١٤٤] ، أو يكون الاصطفاء للملك والسلطة ، كقوله تعالى في شأن طالوت : (إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ) [سورة البقرة ، الآية : ٢٤٧] ، أو يكون باعتبار الانتساب إلى التوحيد ونبذ الأوثان ، قال تعالى : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) [سورة فاطر ، الآية : ٣٢] ، أو يكون الاصطفاء باعتبار صنف على آخر ، كما في قوله تعالى : (أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ) [سورة الصافات ، الآية : ١٥٣]. أو من حيث التخلّص من الشرك وكونه جامعا للكمالات ، كما في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ) [سورة البقرة ، الآية : ١٣٢] ، أو باعتبار التخلّص من الشركاء في الملك ، كما في المأثور : «إن أعطيتم الخمس وسهم النبي صلىاللهعليهوآله والصفي ، فأنتم آمنون» ، والصفي : ما كان يأخذه النبي صلىاللهعليهوآله ويختاره لنفسه قبل القسمة ، ويقال له الصفية.
وقد تكون جهة واحدة في الاصطفاء ، وربما تجتمع أكثر من جهة ، كما في