قوله تعالى : (فَتَقَبَّلْ مِنِّي).
التقبّل هو أخذ الشيء على وجه الرضا ، ويمكن فرض الجامع القريب بينه وبين القبول وهو أصل الرضا ، ولكن هيئة التقبّل تدلّ على عناية خاصة فيها ، وهي لا توجد في القبول ، وتشهد الآيات اللاحقة لهذه العناية ، وللمقام نظائر كثيرة في القرآن الكريم ، وقد اشتهر في علم اللغة : «أن زيادة المباني تدلّ على زيادة المعاني» ، وهي قاعدة متّبعة خصوصا في لغة العرب التي بنيت على الدقة والفصاحة والبلاغة. ولكن يمكن أن يرجع ذلك إلى تعدّد الدال والمدلول.
والقبول الحسن هو السرّ المطوي في التقبّل ، وقد ورد التقبّل في القرآن الكريم في عدّة موارد تبلغ العشرة. وفي جميعها يدلّ على أن في المورد سرّا خاصا إما في الحال ، أو العمل ، أو الانقطاع إلى الله تعالى اقتضى ذكر التقبّل ووقوع الاستجابة مطابقة له.
والمفعول من قوله تعالى : (فَتَقَبَّلْ مِنِّي) وإن كان محذوفا ، إلا أنه معلوم إما هو النذر ، أي تقبّل نذري هذا ، لأنه عمل صالح أرادت منه التقرّب إلى الله تعالى ، أو هو الولد المحرّر ، ويدلّ عليه قوله تعالى : (فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ).
قوله تعالى : (إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
ثناء منها عليه تعالى ، لجعل الدعاء والمناجاة أقرب إلى القبول ورجاء الإجابة والتفضّل ، أي : أنك أنت السميع للدعاء ، العليم بنيّتي وصحتها وإخلاصها.
والتأكيد في هذه الجملة للدلالة على انقطاع رجائها عن غيره تعالى ، وأنها على يقين في استجابة دعائها ، وفيه نهاية التضرّع والابتهال إليها عزوجل. وتقديم السميع على العليم لأجل أن المقام مقام استدعاء الإجابة والقبول.
قوله تعالى : (فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى).
الضمير في قوله : (فَلَمَّا وَضَعَتْها) راجع إلى ما في بطنها ، وفيه إيجاز لطيف ، وإنما أنّث الضمير باعتبار علم المتكلّم بأن المرجع مؤنّث وأن المولود أنثى.
وجملة : (قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) خبريّة ، يراد بها التحسّر والتحزّن