آنفا ، من ذلك يستفاد شدّة الانس والمحبّة بين الله تعالى وبين هذه المرأة الصالحة. وكمال الخلّة بينهما.
ومريم علم امرأة سريانيّة معناها خادمة الرب أو المرتفعة بالعبادة ، ومن مبادرتها بالتسمية يستفاد يأسها من كون الولد ذكرا تتحقّق فيه رغبتها ، وإنما رضيت بكون الأنثى هي المنذورة المحرّرة وحولت النذر إليها ، وأعدّتها للعبادة بالتسمية ، ويدلّ عليه قوله تعالى بعد ذلك : (فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ).
قوله تعالى : (وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ).
دعاء منها لحفظها وذريتها دائما من جميع المساوئ والمكاره ، والحاصلة من دسائس الشيطان الرجيم. وقد استجاب الله دعاءها ، فكانت صدّيقة عابدة صالحة وذرّيتها أيضا من الصدّيقين الصالحين ، فتطابق الاسم والمسمّى فيها ، لأن مريم في لغتهم العابدة الخادمة ، كما عرفت.
ويستفاد من قولها : (وذريتها) من دون شرط وقيد أنها كانت تعلم بأنها سترزق ولدا ذكرا من عمران ، فلما لم يتحقّق في حملها ، توقّعت أن يكون من ذرّيّتها ، وهي منحصرة في فرد واحد ، وهو عيسى ابن مريم.
قوله تعالى : (فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ).
التقبّل هو الرضا بشيء مع عناية خاصة به كما تقدّم آنفا. ومادة (حسن) من الألفاظ التي يكون لفظها ومعناها مطلوبين مطلقا ، أعمّ من أن يكون الحسن اعتقاديا ، كما في قوله تعالى : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ) [سورة فاطر ، الآية : ٨] ، وواقعيّا حقيقيّا ، كما في قوله تعالى : (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً) [سورة الأنفال ، الآية : ١٧] ، وقوله تعالى : (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) [سورة التوبة ، الآية : ٥٢] ، نظير الخير والصلح والجمال ونحو ذلك.
والقبول الحسن هو القبول كما سألته أمها وزيادة عليه ، وإنما أكّد سبحانه