التقبّل الدال على القبول على الرضا بالقبول الحسن ، للدلالة على اصطفاء مريم ، لأنها هي التي وقعت مورد الرضا محرّرة للعبادة والتسليم لله تعالى وخدمة البيت ، مع صغرها وأنوثتها ، وهذا هو الاصطفاء الذي تقدّم معناه ، ولأجل ذلك دخلت في جملة المصطفين الذين ورد ذكرهم في الآية السابقة.
وممّا ذكرنا يظهر أن هذه الجملة وقعت استجابة لقولها : (وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ) ، أي مع كونها أنثى وجعلتها محرّرة فتقبّلها ربّها بقبول حسن ، ولم تكن هذه الجملة واردة لقبول تقرّب امرأة عمران بالنذر وإعطاء الثواب الاخروي ، لما عرفت من أن القبول نسب إلى مريم المنذورة المحرّرة ، وإن كانت تدلّ على قبول تقرّب امرأة عمران بالتبع والملازمة.
وإنما خصّ سبحانه الربّ بالذكر ، للدلالة على رعايتها آنا بعد آن ، والعطف عليها في كلّ حال وتربيته تعالى لها.
قوله تعالى : (وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً).
الإنبات هو التربية بما يصلح الحال وحسن النشأة ، وتعهّدها حالا بعد حال ، كما يتعهّد الزارع الزرع بالسقي ونموه.
والمراد من الآية الشريفة هو حسن نشأتها وتربيتها في صلاحها وكمالها ، وتطهيرها من الرذائل الخلقيّة والخلقيّة ، والإطلاق يشمل التربية الجسديّة والروحيّة كلتيهما ، لها ولذريّتها.
والجملتان متكاملتان ، إحديها تبيّن اصطفاءها ، والثانية تبيّن طهارتها وزكاتها وحسن تربيتها بما تصلح أن تكون اما لكلمة الله المسيح المرفوع إلى السماء ، وتقدر على أن تؤدّي الأمانة التي وقعت على كاهلها ، وتهيئتها لتحمّل المسؤولية الملقاة على عاتقها ، وقبول السرّ الإلهي ، فأصبحت مريم العذراء الصدّيقة الطاهرة المطهّرة المصطفاة على نساء العالمين ، وبذلك استعدّت أن تتلقّى الخطاب الملكوتي : (وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ).