قوله تعالى : (وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا).
مادة كفل تأتي بمعنى الضمان والتعهّد ، وغلب استعمالها في ضمان الإنسان لمثله ، والكفيل من أسماء الله تعالى ، لأنه عزوجل مدير ما سواه ورازقه ومدبّره.
وزكريا هذا من بني إسرائيل من ولد سليمان بن داود ، وهو الذي طلب من الله تعالى أن يرزقه ولدا وهو شيخ كبير وكانت امرأته عاقرا كما يحكي عزوجل عنه في الآيات اللاحقة. وإن كان يظهر من التواريخ أن المسمّى بزكريا متعدّد. واللفظ ممنوع من الصرف للعلميّة والعجمة.
والمعنى : وصار زكريا كفيلها وقائما بشؤونها ، والكفالة هذه إما أن كانت بحسب التقدير ، أو بحسب القرعة التي أصابتها باسمه بعد أن كانت كفالتها مورد الاختصام ممّن هو قائم بشؤون البيت الشريف. كما حكى عنهم عزوجل في قوله : (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) [سورة آل عمران ، الآية : ٤٤].
ويمكن الجمع بين الاحتمالين بأن المقدّر هو أن يكون الكفيل زكريا ، ولكن الله تعالى هيّأ له ذلك عن طريق القرعة.
وكيف كان ، فهو كفيل صالح أمين رؤوف ، فأكرم به من كفيل ، والظاهر أن كفالتها إنما كانت من أوّل أمرها فوقع الإنبات الحسن بمباشرة زكريا وتسبيب من الله عزوجل.
قوله تعالى : (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ).
المحراب هو المكان العالي ، وسمّي محراب المسجد محرابا لأجل علوه وشرفه بالنسبة إلى غيره من جهة قيام الإمام فيه.
وقيل : إن المراد بالمحراب هو المسمّى عند أهل الكتاب بالمذبح ، وهو مقصورة في مقدّم المعبد ، لها باب يصعد إليه بسلم ذي درج قليلة ، يكون من فيه محجوبا عمّن في المعبد ، ومنها المقصورات التي أحدثها بعض الخلفاء لنفسه في الإسلام.