قوله تعالى : (قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ).
جملة مستأنفة كالسابقة ، أي : أن الرزق الذي أوجب دهشة هذا النبيّ الكريم هو نازل من عند الله تعالى. والإطلاق يشمل جمع الأنواع والأصناف ، فكان هذا الرزق خارقا للعادة من حيث الكم والكيف وسائر الجهات ، فسيطر ما عند الله على الطبع والطبيعة والمادة ، فكان ذلك كرامة لها. وقد قنع زكريا بهذا الجواب ولم يسألها عن شيء آخر.
ومن ذلك يعرف الخدشة في ما ذكره بعض المفسّرين في المقام من أن الإضافة إلى الله تعالى إنما هي عادة جرت من العرف بإضافة الرزق إليه تعالى ، وليس في هذه دلالة على أنه من خوارق العادات ، وبالاخرة فليس ذلك كرامة لها.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ).
تتمّة مقالة مريم ، أي : أن الله تعالى يقدر على رزق من يشاء من عباده بغير تقدير بحدّ.
ومن هذه الكلمة يستفاد أمران :
الأول : عظمة هذا الرزق ، حيث عبّر عنه بغير حساب.
الثاني : عظمة انقطاع القائل إلى الله تعالى ، حيث ظهر لها هذا التجلّي العظيم الإلهي.
قوله تعالى : (هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ).
جملة مستأنفة ترتبط بما قبلها لتثبيت ما ذكر فيها ، وتقرير ما سيقت لأجله.
و (هنا لك) نظير هناك من أسماء الإشارة ، إلا أن اللام في الأوّل للبعد والكاف للخطاب ، أي في ذلك المكان ، والمعروف بين الأدباء أن الموضوع له في أسماء الإشارة خاص ، وأنها من المبنيّات لتقوّمها بالغير ، فأشبهت الحروف من هذه الجهة وانسلخت عن الإعراب فصارت مبنيّة.
ولكن الدعوى الأولى باطلة لما أثبتناه في علم الأصول ـ من أن الوضع منحصر في قسمين ، الوضع الخاص والموضوع له الخاص ، كما في الأعلام. والوضع