فتكون صالحة مباركة ، كما في مريم لما لها من الكرامة والصفات الحسنة والشخصية الكاملة.
وقد استعمل الداعي أدب الدعاء وما يوجب ترغيب المدعو إلى الإجابة ، كما في قوله : (إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ) ، وقوله في موضع آخر : (رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) [سورة مريم ، الآية : ٤] ، وقوله في موضع ثالث : (رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ) [سورة الأنبياء ، الآية : ٨٩].
وقدّم اسم الربّ لأنه أقرب إلى الإجابة ، وأدّى الطلب بالهبة ، لأنها إحسان محض لا يكون في مقابله شيء ، فيناسب المقام ، حيث اعتبر نفسه عاجزا عن تحقيق رغبته إلا بعناية منه عزوجل.
وقد استجاب الله تعالى دعاءه ووهب له يحيى الذي لم يجعل له من قبل سميّا ، وقد جمع الله فيه ما في مريم وعيسى عليهماالسلام من الصفات والكمال والكرامة ، فكان أشبه الناس بعيسى عليهالسلام.
قوله تعالى : (إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ).
لفظ سميع يأتي بمعنى القبول والاجابة ، كما في قول : «سمع الله لمن حمده» ، أي يقبل حمد من حمده ويثيب عليه ، وذكر السمع وإرادة القبول والإجابة شائع في المخاطبات العرفيّة ، يقال : فلان سمع حاجتي فقضاها ، وفي الحديث : «أي الساعات أسمع؟ قال : جوف الليل الآخر» ، أي أوفق لاستماع الدعاء فيه وأولى بالاستجابة.
والسميع من أسمائه تعالى ، وهو الذي لا يعزب عن إدراكه مسموع وإن خفي ، فهو يسمع بغير جارحة.
والمعنى : أنك كثير الإجابة لدعاء الداعين ، والجملة في موضع التعليل.
قوله تعالى : (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ).
العطف بالفاء يدلّ على سرعة الإجابة ، وأن جميع ذلك دعاء واحد متعقّب بالتبشير ، والمنادي هو جنس الملائكة تمييزا عن نداء البشر ، وإن كان المنادي واحدا ، وهو أعمّ من أن يكون بالإلهام في القلب ، أو ظهور شخص الملائكة