والتكلّم مباشرة مع المخاطب ، وإن كان الظاهر هو الثاني ، والضمائر كلّها ترجع إلى زكريا ، والمراد بالصلاة هي الأقوال والأفعال المعهودة بين كلّ ملّة.
قوله تعالى : (أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى).
البشارة والتبشير هو الإخبار بما يفرح الإنسان. ويحيى اسم أعجمي ممنوع من الصرف للعلميّة والعجمة.
وقيل : إنه عربي منقول من الفعل ، فيكون المنع من الصرف هو العلميّة ووزن الفعل ، وقيل وجوه في تسميته بهذه الاسم :
فعن بعض أنه لما علم الله تعالى أنه يستشهد ، والشهداء أحياء عند ربّهم يرزقون فسمّي به ، وعن بعض آخر أنه يحيا بالعلم والحكمة ، أو يحيى به الناس بالهداية ، وقال القرطبي : إنه كان اسمه حيّا في الكتاب الأوّل ، وجميع ذلك يحتاج إلى دليل. والموجود في الأناجيل المعروفة أنه يوحنا المعمدان.
ويستفاد من الآية المباركة أن التسمية كانت من الله تعالى ، ويدلّ على ذلك قوله تعالى في موضع آخر : (يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) [سورة مريم ، الآية : ٧] ، كما يستفاد من مجموع قصتي امرأة عمران ، وزكريا أنه لو لم تبادر امرأة عمران بالتسميّة لمولودها لأمكن أن تأتي التسمية من قبل الله تعالى ، ولعلّ الحكمة في ذلك أن الله تعالى أراد أن ينفي جهات الغلو من مريم الصدّيقة الطاهرة ، بأن تكون التسمية من ممكن محتاج لممكن آخر مثله.
وقد وصف الله تعالى هذا المولود المبشّر به بأوصاف تدلّ على عظمته وكرامته وجلالة قدره ، ومن مجموع ذلك يستفاد التشابه الكبير بين هذا المولود ومريم العذراء وابنها عيسى عليهمالسلام.
قوله تعالى : (مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ).
هذا هو الوصف الأوّل ليحيى ، والجملة في موضع الحال من يحيى ، والمراد بالكلمة هو عيسى بن مريم كما وصفه الله تعالى بها ، قال عزوجل : (يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) [سورة آل عمران ، الآية : ٤٥] ،