و (كذلك) في موضع رفع خبر لمبتدأ محذوف أي الأمر والتقدير كذلك ، وهو ظاهر في كونه من القضاء الحتم الذي لا يعتريه التغيير والتبديل ، ويدلّ عليه قوله تعالى في هذه القضية : (وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا) [سورة مريم ، الآية : ٢١] ، كما يشهد له قوله تعالى : (قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) ، حيث جعل خلق يحيى مقدّرا من حين خلقه لزكريا.
وجملة (اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) في موضع التعليل ، أي : لأنّ الله تعالى يفعل ما يشاء من الأفعال الخارقة للعادة ، يخلق الولد في تلك الحالة التي يستبعدها الناس عادة ، فإن إرادته ومشيئته فوق الطبيعة ، وهي مسخّرة تحت تلك الإرادة.
وإنما أتى بلفظ الجلالة للتعظيم ، ولبيان أنه الجامع لجميع الصفات الجمالية والكمالية ، القادر على كلّ شيء ، إليه تنتهي جميع العلل والأسباب.
ثم إن الولادة ـ بخلاف الأسباب الظاهريّة ـ قد ذكرت في القرآن الكريم بالنسبة إلى أنبياء الله تعالى في موارد ثلاثة :
الأوّل : إبراهيم خليل الرحمن ، قال تعالى حكاية عنه : (وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ* قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ* قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) [سورة هود ، ٧١ ـ ٧٣].
الثاني : عيسى روح الله ، قال عزوجل حكاية عن مريم العذراء : (قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا* قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا) [سورة مريم ، الآية : ٢١].
الثالث : زكريا الذي دعا الله أن يرزقه ذرّية طيبة : (قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) [سورة مريم ، الآية : ٨] ، وجميع من ولد في هذه الموارد الثلاثة هم من الأنبياء الذي وهبوا أنفسهم لله تعالى.
قوله تعالى : (قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً).
الآية العلامة الدالّة على شيء ، ولهذه الكلمة أهمية عظمى في القرآن الكريم ،