فقد وردت فيه بأطوار مختلفة ـ مفردة وتثنية وجمعا ـ في ما يقرب من خمسمائة مورد ، ولعلّ الوجه في ذلك هو إثبات أن جميع ما سوى الله تعالى آيات جماله وجلاله وشواهد أقواله وأفعاله ، وهي إما آيات يستدلّ بها الخالق على الخلق ، أو يستدلّ بها المخلوق على وجود الخالق ومعبوديّته المطلقة ، وقهّاريته التامّة ، ورحمته الواسعة وجميع العوالم ـ الطولية والعرضية ـ آياته تبارك وتعالى ، ولكنها مختلفة في جهة كونها آية ، كاختلافها في مراتب الوجود.
والجامع القريب العلامة التي تدلّ على ارتباط الممكن بالذات مع الحيّ القيوم ، كما هي علامة عناية العزيز الجبّار الغني بالذات مع الفقير المحتاج ، أو هما معا.
والآية في قوله تعالى : (اجْعَلْ لِي آيَةً) ، أي علامة يعرف الناس والبيئة البشريّة ، بأني مرتبط معك ، ودلالة ملموسة بها تطمئن نفسي ، وتكون أنت المعين في اموري ، لأدفع بها دعاوي المبطلين وتشكيك المنافقين ، واعترف بها عجزي وخضوعي وتسليمي لأمرك ، وابدي شكري على جميع نعمائك ، وهذا ما تقتضيه هذه المحاورة بين زكريا النبيّ العظيم وبين الله تعالى الربّ الجليل ، فإنها تدلّ على كمال الخلّة ونهاية التبتّل والخضوع له عزوجل ، ويشهد لذلك سنخيّة الآية مع المورد ، فإن الآية التي جعلها الله تعالى له هي أمره بعدم التكلّم وقطع المحاجّة مع الكفّار والمنافقين ، وإيكالهم إلى الأمور البديهيّة كالحسّ والوجدان ، كما ستعرف.
ومن ذلك يعلم أن ما ذكره المفسّرون في المقام في حكمة جعل الآية غير صحيح ، فقد ذكر بعض المفسّرين أن جعل الآية له إنما كان لأجل أن يستدلّ بها على حمل امرأته ويعلم وقت الحمل.
وفيه : أنه بعد معرفته بأنه سيرزق ولدا ، وإن الله تعالى بشّره بذلك ، وكان على يقين فيه ، لا معنى لطلب آية تكون علامة على حمل امرأته ، بل هو لغو من عاقل فضلا عن الأنبياء.
وقيل : إن الحكمة في جعل الآية هو الاستدلال بها على أن البشارة كانت من