الله تعالى لا من الشيطان.
وهو مردود أيضا ، فإنه إن كان باعتبار نفس مقام نبوّة زكريا عليهالسلام فهو باطل ، لأنه بعد أن علم يقينا بخطاب الملائكة ، وأن المحاورة المتقدّمة لا تدع مجالا للشك في أنها لم تكن من الشيطان ، خصوصا مع ملاحظة مقام زكريا ونبوّته المرتبطة مع الملائكة ارتباطا تاما. وإن كان باعتبار تعريف غيره ، فهو باطل أيضا ، فإنه لم يعرف شيئا من هذه المحاورة حتى يشكّ فيها ، بل هي من جملة الأسرار بين زكريا عليهالسلام وبين الله تعالى ، كما في استجابة الدعوات بالنسبة إلى كلّ مؤمن مستجاب الدعوة ، وسيأتي في البحث الكلامي الفرق بين خطاب الرحمن وكلام الملك وهمسات الشياطين.
قوله تعالى : (قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ).
أي : قال الله تعالى لزكريا : آيتك التي طلبتها هي أن لا تتكلّم مع الناس ، وإنما خصّ الناس بالذكر لبيان أنه لم يكن ممنوعا من التكلّم بذكر الله والدعاء ، فيستفاد أن الممنوع منه إنما هو التكلّم مع الناس في شؤون الدنيا ، لا عدم التكلّم المطلق ، حتى التكلّم بالحقّ مع الحقّ ، كالمناجاة والدعاء ونحو ذلك ، بقرينة ذكر الناس والتكلّم بالرمز.
والمشهور بين المفسّرين أن عدم التكلّم كان اضطراريا بالنسبة إليه ، لأن الله عزوجل قد سلب قدرته على ذلك ، إما باعتقال لسانه من غير آفة أو معها ، وهي أنه ربّا لسانه وزاد في فيه حتى ملأه فمنعه الكلام ، وإن كان قادرا على التسبيح والصلاة والمناجاة معه عزوجل ، وهذه آية كانت من قبل الله تعالى في نفس النبيّ لا يقدر عليها غيره ، لمكان العصمة فيه.
وعن بعض المفسّرين أن حبس لسانه كان من باب العقوبة له ، لأنه طلب الآية بعد المشافهة مع الملائكة والبشارة له ، والسبب في ذلك تشكيك الشيطان له في كون البشارة من الله تعالى. ويقرب هذا ممّا ورد في إنجيل لوقا : أن جبرئيل قال لزكريا : وها أنت تكون صامتا ولا تقدر أن تتكلّم إلى اليوم الذي يكون فيه هذا ،