وظاهر الآية الشريفة أن الطهارة في المقام أعمّ من الطهارة من الأدناس الظاهريّة والأقذار المعنويّة ، فهي معصومة بعصمة الله تعالى ، وقد تحقّق فيها دعاء أمها من إعاذتها وذرّيتها من الشيطان الرجيم.
وقيل : الطهارة مختصّة بالطهارة عن الأدناس التي تلحق بالنساء ، مثل الحيض والنفاس ، حتّى تكون صالحة لخدمة المسجد ، ولكن الإطلاق يدفع ذلك.
قوله تعالى : (وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ).
أي : واختارك لتكوني اما للمسيح ، فيكون الاصطفاء في المقام غير الاصطفاء في صدر الآية الشريفة ، فإنه يختصّ ببعض الجهات ، وهو تقديم مريم عليهاالسلام على سائر النساء في الولادة من غير أب ، ويشهد لذلك جملة من الآيات المباركة التي تدلّ على تكريمها بهذه المزيّة ، قال تعالى : (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) ، وقال تعالى : (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ) [سورة الأنبياء ، الآية : ٩١] ، وقال تعالى : (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) [سورة التحريم ، الآية : ١٢]. والمستفاد من جميع ذلك أنها تقدّمت على نساء العالمين في خصوص هذه المزيّة ، وإن كانت لها صفات اخرى منها التطهير والتصديق بكلمات الله تعالى وكتبه ، والقنوت ، وتقبّلها ربّها ، وأنبتها نباتا حسنا ونحو ذلك ، ولكن هذه الأمور قد توجد في غيرها فلا تختصّ بها ، وربما تكون هذه الأمور هي من تلك الجهات التي اقتضت اصطفاءها في المرة الاولى.
ومن ذلك يظهر سرّ تكرار الاصطفاء في الآية الشريفة ، فلا دلالة فيها مع هذه القرائن الكثيرة على اصطفائها على جميع نساء العالمين من الأوّلين والآخرين ، مع أن لفظ العالمين قابل للتوسعة والتضييق ، والقرائن المذكورة في المقام والسنّة دلّت على سيادتها وتقدّمها على نساء العالمين في جهة خاصة أو على نساء عالمها ، فهي لا تدلّ على أفضليتها على فاطمة عليهاالسلام ، التي اجتمعت فيها امور كثيرة لا تكون في غيرها ، وسيأتي في البحث الروائي ما يتعلّق بذلك.