الممكنات مسخّرات تحت إرادته عزوجل ومستمدة من مدده ، قال تعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) [سورة النحل ، الآية : ٦٧].
ويستفاد من الآية الشريفة أن ما أوحى الله تبارك وتعالى إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله هو الصحيح المكنون في علم الغيب ، ولا يوجد عند أهل الكتاب ، بل لا عبرة بما هو الموجود عندهم ، لعدم سلامته من التحريف ، ولا عند قوم الرسول صلىاللهعليهوآله ، لكونهم أميين لا يعرفون هذه القصص بوجه من الوجوه.
ونظير هذا التعبير ورد في قصة يوسف : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ) [سورة يوسف ، الآية : ١٠٢] ، والقصتان متشابهتان من حيث أن يد التحريف نالتهما ، وأنهما لم تذكرا بهذه الخصوصيات التي وردت في القرآن الكريم في كتب القوم.
قوله تعالى : (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ).
أقلام جمع قلم ، ومادة (قلم) تأتي بمعنى القطع في أي هيئة استعملت ، وقد وردت هذه المادة في القرآن الكريم مفردة وجمعا ، قال تعالى : (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ) [سورة القلم ، الآية : ١] ، وقال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) [سورة لقمان ، الآية : ٢٧] ، ويسمّى القدح قلما لأنه مقطوع في الجملة أيضا ، وقيل : لا يقال للقلم قلما إلا بعد البري ؛ ويسمّى قبله قصبة ويراعة.
وما روي أنه صلىاللهعليهوآله : «كان يأخذ الوحي عن جبرائيل ، وجبرائيل عن ميكائيل وميكائيل عن إسرائيل وإسرافيل عن اللوح المحفوظ واللوح عن القلم» ، فهي إشارة إلى معنى إلهي سيأتي تفسيره في موضعه إن شاء الله تعالى.
وإلقاء الأقلام نوع من القرعة التي قرّرتها الشريعة المقدّسة الإسلامية ، فقد ورد فيها : «القرعة لكل أمر مشكل» ، أو «كلّ أمر مشكل ففيه القرعة» ، وهي تختلف باختلاف الأعصار والأمصار ، فتشمل كلّما يسمّى قرعة كيف كانت ، ويأتي في قوله تعالى : (فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) [سورة الصافات ، الآية : ١٤١] بعض الكلام.