قوله تعالى : (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ).
شروع في قصة عيسى عليهالسلام ، وبشارة عظيمة من الرحمن لابنة عمران وتبجيل لها ، وإعلان لجلالة مقام المسيح ورفعة مكانه ، و (إذ) بدل من نظيرتها السابقة ، أو عطف بيان ، وترك العطف لاتحاد المخاطب فيهما ، وللإشارة إلى تقارب الزمانين ، بحيث يمكن اعتبارهما حينا واحدا وفي قصة واحدة ، والظاهر أن البشارة كانت في كبر مريم عليهاالسلام.
والمراد بالملائكة جنسها ، فلا ينافي أن يكون واحدا ، وهو في المقام جبرائيل عليهالسلام الذي تمثّل لها بشرا ، سويّا ، كما قال تعالى في موضع آخر : (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا* قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا* قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا) [سورة مريم ، الآية : ١٧ ـ ١٩] ، ويمكن أن تكون البشارة من جبرائيل وجنوده من الأملاك إجلالا واهتماما بالموضوع ، والكلّ رسل من الله تعالى ، ولذا ينسب تارة إلى نفسه واخرى إلى الملائكة.
قوله تعالى : (بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ).
مادة (كلم) تأتي بمعنى الظهور والبروز ، وهذا هو الجامع بين جميع استعمالاتها ، وعلى هذا تكون جميع الموجودات كلمات الله تعالى ، لأنها مظاهر قدرته ومبرزات مشيئته ، كما أن أنبياء الله تعالى وأولياءه كلمات الله تعالى ، لأنهم مظاهر أخلاقه ، وتشريعاته ، وكما أن بين الكلمات الهجائيّة فرقا واضحا بين أفرادها ، كذلك يكون بين كلمات الله تعالى التشريعيّة والتكوينيّة.
والكلمة والكلم كالتمرة والتمر جنس ومفرد ، وتطلق الكلمة في العلوم الأدبية على اللفظ الدال على المعنى وعلى الجملة ، سواء كانت تامّة يصحّ السكوت عليها ، أم ناقصة لا يصحّ.
وإنما أتى الضمير في (اسمه) مذكّرا باعتبار المعنى.
والمسيح معرب ، وأصله (مشيح) بالعبرانيّة ، كما في كتب العهدين ، وهو لقب