قوله تعالى : (وَمِنَ الصَّالِحِينَ).
أي : معدود منهم الّذين تعرفهم مريم وتعلم سيرتهم. ومادة (صلح) تستعمل في المطابقة مع الواقع المطلوب من الشيء ، فصلاح الإنسان مطابقة أعماله الجوانحيّة والجوارحيّة مع مرضاة الله تعالى.
وقد وقع هذا التوصيف لجمع من أنبياء الله تعالى ، منهم إبراهيم عليهالسلام ، قال تعالى : (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) [سورة النحل ، الآية : ١٢٢] ، وإسحاق ويعقوب ، قال تعالى : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ) [سورة الأنبياء ، الآية : ٧٢] ، ويحيى عليهالسلام ، قال تعالى : (وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) [سورة آل عمران ، الآية : ٣٩] ، وقال تعالى في شأن جمع من الأنبياء (وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ) [سورة الأنعام ، الآية : ٨٥] ، ولوط ، قال تعالى : (وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) [سورة الأنبياء ، الآية : ٧٥] ، وإسماعيل وإدريس وذو الكفل ، قال تعالى في شأنهم : (كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ* وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ) [سورة الأنبياء ، الآية : ٨٦] ، وفي طلب سليمان الذي استجابه الله تعالى قال جلّ شأنه حكاية عنه : (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) [سورة النمل ، الآية : ١٩] ، ويونس صاحب الحوت ، قال تعالى في شأنه : (فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) [سورة القلم ، الآية : ٥٠].
والآيات الشريفة ليست في مقام الحصر.
أوّلا : لما ثبت في محلّه من أنه لا مفهوم للوصف.
وثانيا : أن كلمة (من) في بعضها تدلّ على عموميّة الصفة من الموصوف.
وثالثا : الأدلّة العقليّة والنقليّة الدالّة على أن أهل التقوى مطلقا ولو لم يكونوا من الأنبياء هم من الصالحين.
والصلاح والتقوى مع تحقّق الشرائط من أهم أسباب القرب إلى الله جلّ جلاله ، وبهما يكون العبد من المقرّبين ويفوز بسعادة الدارين ، والصلاح آخر