قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

مواهب الرحمن في تفسير القرآن [ ج ٥ ]

294/359
*

مقامات الأولياء ، وهو الارتباط الكامل بين العبد والمعبود ويتحقّق بامتثال الأوامر واجتناب المناهي سرّا وعلنا ، بحيث ترتفع الاثنينيّة بين الباطن والظاهر ، وهو الإنسانيّة الكاملة التي دعا إليها القرآن الكريم ورغّب إليها غاية الترغيب ، وفيه تجتمع سعادة الدارين وللصالحين درجات نورانيّة ومقامات روحانيّة لا حدّ لها ، ولا يمكن درك هذه المنزلة العظيمة ولا تحديدها بكلام. ولمثل ذلك فليعمل العاملون وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

قوله تعالى : (قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ).

سؤال عن كيفيّة وقوع البشارة على خلاف مجاري الطبيعة ، وقد جرت عادة الله سبحانه وتعالى وسنّته على أن يجري الأمور عليها ما دامت في دار الأسباب والمسبّبات ، ولكن إرادة الله تعالى فوق الطبيعة ، وهي مسخّرة تحت القدرة التامّة الكاملة ، إذا قال لشيء : كن ، فيكون. وهذا هو السبب الأصيل والأوّل للإيجاد مطلقا ، وأما جريان الأمور على وفق الطبيعة من إحدى الطرق للإيجاد ربما يصل إلى المطلوب ، وربما يتخلّف عنه ، لفرض أن التأثير تحت إرادة القادر الحكيم ، ولا يمكن التخلّف فيها.

والسؤال منها إنما هو في أن الولادة هل تكون وفق مجاري الطبيعة ، وهو التزويج والولادة من أب ، وحينئذ من هو الزوج؟ أم بغير ذلك الذي هو أمر غريب عجيب لا يصدر إلا من إرادة قاهرة له القدرة الكاملة ، وهي لا تنكر ذلك وتعلم أن الله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، فيكون السؤال استفسارا عن الواقع والحقيقة.

والمس والمسيس كناية ظاهرة عن الوطي. والبشر يطلق على الواحد والجمع ، والتنكير للعموم ، والجملة تفيد عموم النفي لا نفي العموم.

والخطاب مع الربّ لإظهار غاية التذلّل والخضوع من أن المتكلّم معها هي الملائكة ، كما عرفت سابقا ، وهي تعلم أنها تخاطبها عن الله تعالى وكلامهم كلامه عزوجل.