قوله تعالى : (قالَ كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ).
أي : أن الله تعالى قضى أن يفعل كذلك ويرزقك المولود خلاف العادة المقدّرة ، وهو أمر محتوم لا يقبل التغيير والتبديل ، لا يعجزه شيء. وبهذا الكلام تحقّق المقصود ورفع التردد والتعجّب الحاصلين لمريم عليهاالسلام.
وإنما عبّر سبحانه وتعالى في المقام بالخلق ، وفي قصة زكريا بالفعل ، لأن المقام على خلاف العادة ولا ينطبق على الأسباب المعروفة ، لذا عبّر عزوجل بالخلق ، وهو الإبداع والإيجاد ، فهو يشبه الأمور المبتدأة ، ومثل هذا التعبير شائع في خلق الأمور بغير الأسباب العادية ، قال تعالى : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما) [سورة السجدة ، الآية : ٤] ، بخلاف قصة زكريا ، فإن إيجاد يحيى كان من الزوجين ، كما في سائر الناس ، ولكن فيه الآية لهما بخلاف غيره كما عرفت ، ولذا عبّر عنه بالفعل.
قوله تعالى : (إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
أي : إذا أراد شيئا لا مرد له ، فإنما يقول له : (كن فيكون) من دون تخلّف بين الإرادة والمراد ، وقد تقدّم الكلام في قوله تعالى : (وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [سورة البقرة ، الآية : ١١٧] ، وقلنا إنّ الجملة تدلّ على كمال قدرته ونفوذ مشيئته ، كما أنها تدلّ على سرعة نفوذ إرادته ، وعدم وجود أي صعوبة وعسر في تنفيذها.
ثم إنّ هذه الجملة المباركة : (وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) مذكورة في مواضع متعدّدة من القرآن الكريم ، وفي بعضها : (إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [سورة يس ، الآية : ٨٢] ، وهي كناية عن كمال الإحاطة والقدرة التامّة من دون احتياج إلى سبب آخر غير قضائه تعالى وإرادته ، وأنه لا يعجزه شيء ، ولا ينافي ذلك توقّف نظام التكوين على قانون الأسباب والمسبّبات ثم انتهاؤها إلى القدرة الأزليّة ، لأن مقتضياتها إما أن تكون جارية على الأسباب والمسبّبات وهو الغالب ، وإما أن تكون جارية بمجرّد القضاء الحتمي وعلى خلاف