قوله تعالى : (وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ).
مفعول مطلق لفعل مقدّر ، أي : أرسله الله ، أو منصوب بفعل مضمر تقديره ونجعله رسولا ، أو معطوف على الأحوال السابقة.
والرسول صفة وهي هنا بمعنى مفعل ، والرسالة هي السفارة الإلهيّة إلى البشر لإيصالهم إلى الكمال المنشود والحكم بينهم بالحقّ والقضاء بالقسط. ويمكن أن يكون اختصاص بني إسرائيل بالذكر باعتبار كون ابتداء الرسالة والدعوة فيهم ، أو باعتبار أنهم أقرب الناس إليه ، فيكون نظير قوله تعالى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) [سورة الشعراء ، الآية : ٢١٤] ، وإلا فإن عيسى من أولي العزم ، كما هو صريح بعض الآيات الشريفة ، وتقدّم الكلام في قوله تعالى : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) [سورة البقرة ، الآية : ٢١٣] ، هذا بناء على اتحاد معنى النبوّة والرسالة والفرق بينهما بالاعتبار.
وأما إذا قلنا إن الرسول مطلقا أخصّ من النبيّ ، فالأمر أوضح ، فهو من أنبياء اولي العزم مع هذه الصفة الخاصة له ، أي الرسالة الإلهيّة.
واختلف في زمان رسالته ، والمشهور أنه ثلاث وثلاثين سنة.
قوله تعالى : (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ).
تثبيت لرسالته بالحجّة والبرهان ، والجملة معمولة قوله تعالى : (وَرَسُولاً) لما فيها معنى النطق ، أي حال كونه ناطقا حجّتي عليكم أني قد جئتكم بآية من ربّكم.
والمعنى : يرسله رسولا حال كونه ناطقا ، أني قد أتيتكم بعلامات واضحات تدلّ على صدق دعواي ، وقد فسّرت هذه العلامات بما يأتي.
والتنوين في الآية المباركة للتفخيم ، والمراد بها نوع الآية ، فلا يضرّ تعداد ذكر الآيات بعد ذلك.
وذكر الربّ وإضافته إلى المخاطبين لإيجاب الامتثال وتأكيده عليهم ، أي لأنه ربّكم يراعي مصالحكم ويسوقكم إلى الكمال بإرسال الرسل وبعث الأنبياء.