فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي) [سورة المائدة ، الآية : ١١٠] ، والطير صالح للواحد والجمع.
وقوله تعالى : (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَ) ، عطف على قوله (بِآيَةٍ) ، والجملة حالية ، أي : وجئتكم حال كوني مصدقا. ويمكن أن يكون عطفا على قوله : (وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) ، واختلاف الجملتين في الغيبة والتكلّم غير ضائر بالعطف ، لا سيما بعد تفسير قوله : (وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) بقوله : (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ) ، فإنه مخرج للكلام من الغيبة إلى الحضور.
بحث دلالي :
تدلّ الآيات الشريفة على امور :
الأوّل : يدلّ قوله تعالى : (وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ) على أن مريم عليهاالسلام كانت محدّثة ، تتكلّم مع الملائكة وتكلّمها وتسمع كلامها وقد تعاين شخصها ، كما يدلّ عليه قوله تعالى : (فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) [سورة مريم ، الآية : ١٧] ، وقد وردت روايات كثيرة على أن المحدّث هو الذي يسمع الصوت ولا يعاين الملك ، ففي الحديث عن محمد بن مسلم قال : «ذكرت المحدّث عند أبي عبد الله عليهالسلام فقال عليهالسلام : إنه يسمع الصوت ولا يرى الصورة ، فقلت : أصلحك الله ، كيف يعلم أنه كلام الملك؟ قال عليهالسلام : إنه يعطي السكينة والوقار حتّى يعلم أنه ملك» ، والأخبار بهذا المضمون كثيرة. واختلاف الروايات في رؤية المحدّث للملك أو عدم رؤيته وسماع صوته فقط ، محمول على مراتب كمال النفس ، وسيأتي في الموضع المناسب تفصيل الكلام في الرسول والنبيّ والمحدّث.
الثاني : يدلّ قوله تعالى : (وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) ، على تقدّم مريم على نساء العالمين من جهات عديدة قد ذكرها سبحانه في ما تقدّم من الآيات ، كالإنبات الحسن ، وكفالة زكريا لها ، وتحريرها للعبادة ، والرزق من الله ، وما يأتي في الآيات اللاحقة ، كلزوم الطاعة والقنوت والخشوع لله عزوجل وبشارتها بكلمة