المؤمنين به علو الذكر وحسن المآب ، ثم ختم عزوجل بأن خلق عيسى كخلق آدم وأنهما خلقا بالأمر التكويني الخارق للعادة ، واعتبر أن ذلك هو الحقّ ، وغير ذلك من الدعاوي هي الباطلة.
وأوجز سبحانه في هذه الآيات القصص بما يؤدّي المطلوب منها في المحاجّة مع وفد نجران حين قدموا المدينة ، وذكر بعض الخصوصيات في مواضع اخرى من القرآن الكريم.
التفسير
قوله تعالى : (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ).
مادة (حسس) تدلّ على الإدراك بالمشاعر الحسيّة ، كالعين والاذن والأنف واللسان واليد ـ ويقابله الدرك العقلي ، أي ما يدركه الفكر ، قال تعالى : (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً) [سورة مريم ، الآية : ٩٨] ، وقال تعالى : (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا) [سورة الأنبياء ، الآية : ١٢] ، وقال تعالى : حكاية عن يعقوب (يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ) [سورة يوسف ، الآية : ٨٧] ، أي اطلبوه عن طريق الحسّ ، وفي الحديث : «ان الشيطان حساس لحاس» ، أي شديد الحس والإدراك ، وفي الحديث أنه صلىاللهعليهوآله : «كان في مسجد الخيف فسمع حسّ حية» ، أي حركتها وصوت مشيها.
وإنما عبّر سبحانه وتعالى ب (أحس) مع أن الكفر من الأمور المعنويّة ، لبيان أن كفرهم بلغ مبلغا حتّى تعلّقت به الحواس الظاهرة ، فيكون استعارة بليغة ، كما في قوله تعالى : (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ) [سورة الأنبياء ، الآية : ١٢].
والمعنى : فلما عرف عيسى من بني إسرائيل الكفر وعلم منهم العناد واللجاج ، وأنهم قصدوا إيذاءه مع وضوح تلك الآيات الباهرات التي عرفوها منه ، دعا