قوله تعالى : (قالَ الْحَوارِيُّونَ).
الحواريون جمع حواري ، وأصل المادة تدلّ على البياض والتخلّص من كلّ عيب ، ولذلك سمّيت نساء أهل الجنّة بحور العين لشدّة بياضهن وسواد عيونهن ، وفي الحديث : «أن في الجنّة لمجتمعا للحور العين».
وإنما سمّى ناصر الأنبياء حواري ، باعتبار خلوصه في نفسه عن العيب والذنب وإخلاصه لغيره ، فيكون ناصرا وخاصّة له.
ولم يرد هذا اللفظ في القرآن الكريم إلا بالنسبة إلى أصحاب المسيح عليهالسلام ، وهم رسله الّذين أخلصوا في أنفسهم ونقّوها من كلّ عيب وكانوا مخلصين له ، وهم الّذين كان عيسى عليهالسلام يرسلهم إلى بني إسرائيل للوعظ والإرشاد.
وقد اختلفوا في عددهم ، والمشهور أنهم كانوا اثنى عشر رسولا ، وذكرهم إنجيل متى في الاصحاح العاشر ٢ ـ ٤ ، وقيل إنّ عددهم سبعون ، وهم الّذين اختارهم عيسى وأرسلهم إلى الأقوام ليعلموهم المسيحيّة ، ولا فائدة في معرفة العدد بعد وضوح أصل المعنى وأن المناط هو تحقّق الإخلاص والخلوص.
والمستفاد من الآية الشريفة ـ كما عرفت ـ أن الحواري أخصّ من مطلق الصاحب.
والآية المباركة ترشد إلى أمر اجتماعي ، وهو أن كلّ مرشد في الاجتماع لا بد وأن يهيء لنفسه مركزا يكون مصدرا لإرشاده ويعتمد عليه في ما يستجدّ من الحوادث ويستمد منه القوة حين ما يتطلب ذلك ، وإلا كان عمله هدرا وأتعابه سدى. وهذا من أهم الأمور التي أشير إليها في مواضع متعدّدة من القرآن الكريم والسنّة المقدّسة ، قال تعالى حكاية عن لوط : (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) [سورة هود ، الآية : ٨٠] ، وفي ابتداء الدعوة في الإسلام اختار الرسول صلىاللهعليهوآله رجالا جعلهم مصدر الدعوة ، وذلك في بيعة العقبة وبيعة الشجرة ، كما نتابع الكلام إن شاء الله تعالى.