قوله تعالى : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ).
التفات إلى بني إسرائيل الذين أحس عيسى منهم الكفر ، ومادة (مكر) تدلّ على كلّ ما يصرف الإنسان عن مقصده ، فإذا كان بحيلة فهو خديعة وشرّ ، وإن كان بغيرها كان محمودا ، ولذا يتقسّم المكر إلى قسمين ، حسن وسيء ، قال تعالى : (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) [سورة فاطر ، الآية : ٤٣] ، وقال تعالى : (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ) [سورة النحل الآية : ٤٥].
وقد وردت هذه المادة في القرآن الكريم مكرّرة تبلغ أكثر من أربعين موردا نسبت ..
تارة : إلى الإنسان بلا واسطة ، قال تعالى : (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) [سورة النحل ، الآية : ٢٦] ، وقال تعالى : (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) [سورة فاطر ، الآية : ١٠] ، وقال تعالى : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ) [سورة الأنفال ، الآية : ٣٠] ، وأشدّ ما وصف الله تعالى به مكر الإنسان قوله عزّ من قائل : (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) [سورة إبراهيم ، الآية : ٤٦].
واخرى : بواسطة ، قال تعالى : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ) [سورة سبأ ، الآية : ٣٣] ، والمراد به الظلم والشرّ الواقعان في الليل والنهار من الإنسان.
وثالثة : نسبت إلى الله جلّ شأنه مزاوجة ومشاكلة في اللفظ ، كما في هذه الآية الشريفة ، وفي قوله تعالى : (وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) [سورة النمل ، الآية : ٥٠] ، وبدون مزاوجة ، قال تعالى : (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) [سورة الأعراف ، الآية : ٩٩].
وقد اختلف المفسّرون والعلماء في نسبة المكر إلى الله تعالى ، فقيل إنه لا يجوز