مواضعه وإيذاء الأنبياء وقتلهم وتشريدهم.
كما أن المراد بمكر الله تعالى جزاؤهم بما خفي عن ادراكهم ولم تصل إليه عقولهم ، بأن شبه المسيح عليهم وردّ كيدهم على أنفسهم مع اعتقادهم بأنهم قتلوه ، فإنه لو رفعه الله تعالى علنا وبمرأى منهم لاستحكمت شبهة الغلو والالوهية فيه ، ولو رفعه خفية لطال التشاجر والنزاع والمحنة على المؤمنين وكثر فيهم القتل وهتك الإعراض ، طلبا منهم لإظهاره وتسليمه ، فكان ذلك التشبيه لطفا خفيّا ومكرا منه عزوجل وفق الحكمة.
قوله تعالى : (وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ).
أي : والله يفعل أفعالا خفيّة بما تقتضيه الحكمة المتعالية مع غفلة أهل المكر عن ذلك ، وكون مكره تبارك وتعالى خيرا محضا ، إذ لوحظ بالنسبة إلى النظام الكلّي ، ويكون المكر بعباده في نصرة الحقّ وأهله وإبطال الباطل وإزهاقه.
قوله تعالى : (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ).
بيان لمكره عزوجل وإعمال سرّه الخفي على الناس ، والعامل في (إذ) قوله (ومكر الله).
ومادة (وف ي) تدلّ على أخذ الشيء وافيا تماما في الجملة ، وهذا المعنى هو الشائع في جميع استعمالاتها العرفيّة والقرآنيّة ، وفي حديث المعراج : «فمررت بقوم تقرض شفاههم كلّما قرضت وفت» ، أي نمت وطالت أو كملت كالأوّل ، وعنه صلىاللهعليهوآله أيضا : «انكم وفيتم سبعين امة أنتم خيرها» ، أي تمت العدّة بكم سبعين.
وأما الوفاة بمعنى الموت ، فهو أحد موارد استعمالات هذه المادة ، وليس من المعنى الحقيقي لها.
نعم ، شاع استعمالها في الموت ، ولعلّه لأجل أن الإنسان يأخذ من الحياة نصيبه التام بحسب استعداده ، فالله يميته بعد ذلك وينقله إلى عالم آخر.
ويدلّ على ما ذكرنا جملة من الآيات الشريفة ، منها قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ) [سورة الأنعام ، الآية : ٦٠] ، والمراد