عيسى ككلّ البشر يولد ويموت ويبعث.
وفيه : أن أصل الكبرى مسلّمة ، فإنه عليهالسلام كسائر الأنبياء له موت بلا إشكال ، وأما أن المراد بالتوفّي في المقام هو الموت الشائع ، فهو أوّل الدعوى يحتاج إلى دليل ، والآية المباركة لا تدلّ على ذلك ، بل هي ناظرة إلى أصل الكبرى ، ويدلّ عليه أيضا ما يأتي من :
قوله تعالى : (وَرافِعُكَ إِلَيَ).
عطف على خبر إن ، والرفع : ضد الوضع ، وهو يستعمل في ما يشتمل على العلو ، سواء كان علوا معنويّا ، كشرف المنزلة والفضيلة وغيرهما مثل قوله تعالى : (وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) [سورة الزخرف ، الآية : ٣٢] ، وقوله تعالى : (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) [سورة المجادلة ، الآية : ١١] ، قال الشاعر :
تلك الأماني يتركن الفتى ملكا |
|
على الأنام ولم ترفع له رأسا |
يعني : أن الآمال توهم الفتى أنه قد صار ملكا ، ولكن لا تعطيه كرامة وشرفا في الواقع.
أو محسوسا ظاهريا كما في الأجسام الخارجيّة ، إذ أعليت عن مقرّها ، مثل قوله تعالى : (وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) [سورة البقرة ، الآية : ٦٣] ، وقوله تعالى : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ) [سورة البقرة ، الآية : ١٢٧] ، وفي حديث الاعتكاف : «كان إذا دخل العشر الآخر ايقظ أهله ورفع المئزر» ، ولعلّه كناية عن الاجتهاد والجد في العبادة بارتقاء النفس.
وهو من الأمور النسبيّة تختلف باختلاف المتعلّق ، قال تعالى حكاية عن يوسف : (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) [سورة يوسف ، الآية : ١٠٠] ، وقال تعالى : (وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ) [سورة الرحمن ، الآية : ٧].
ومن أسمائه تعالى : «الرافع» ، وهو الذي يرفع المؤمنين بالإسعاد وأولياءه بالتقرّب إليه. وتقدّم في قوله تعالى : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ) بعض الكلام.