يقال : الفرق حينئذ أنهم ماتوا فصار وجودهم وجودا برزخيّا ، وعيسى عليهالسلام لم يمت بل صار بوجوده العنصري الدنيوي وجودا برزخيّا ، فيكون عيسى عليهالسلام من قبيل الكلّي المنحصر في الفرد ، كما هو شأن الموجودات الفلكيّة.
قوله تعالى : (وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا).
الطهارة معروفة ، وهي تستعمل في الطهارة الظاهريّة من الأرجاس ، والمعنويّة من الذنوب والأحداث. وفي معنى آخر ألطف من ذلك كلّه وهو : التخلّص ممّا هو من غير سنخه وصنفه.
والجملة معطوفة على خبر (إن) ، وهي قرينة اخرى على أن المراد بالرفع هو الجسماني والروحي معا ، والمراد منها الطهارة المعنويّة من رجس الكافرين وكفرهم وابتعاده عن مخالطتهم ومكائدهم ، وعن مجتمع استولت عليه كلّ رذيلة وكفر وجحود ، وتنزيهه عن شبههم ، فيكون بمنزلة ابتعاد الطير عن السباع بل أشدّ.
ويستفاد من قوله تعالى : (مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) سبب تطهيره ، وهو الكفر ومجالسة الكفّار.
قوله تعالى : (وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا).
وعد حسن وبشرى لعيسى عليهالسلام ومتبعيه. والمراد من الّذين اتبعوك هم الّذين آمنوا بعيسى عليهالسلام واهتدوا بهديه ، واتبعوه في جميع ما أنزل الله تعالى عليه ، فنالوا رضى الله تعالى وحبّه عزوجل ، ووعدهم الخير والتفوّق على الّذين كفروا وأعرضوا عن نبوّته.
ومن سياق المقابلة بين الطائفتين يستفاد أن الطائفة الاولى هي المؤمنة الهادية المطيعة لربّها ، التي اتصفت بمقام الرضا والمحبّة لله تعالى ، وهم مختصّون بمن تابع عيسى عليهالسلام واستقام على الهدى دون كلّ من نسب نفسه إلى النصرانيّة ، كيف وقد اعتقدوا بالكفر وما يخالف العبوديّة وأنكروا ما جاء به عيسى عليهالسلام ، على ما حكى عنهم عزوجل في مواضع متعدّدة من القرآن الكريم ، فيشمل النصارى المؤمنة قبل ظهور الإسلام والمسلمين بعد ظهوره ، المؤمنين بعيسى عليهالسلام المبشّر بمحمد صلىاللهعليهوآله.